[المتضاد]
ـ[محمد بن إبراهيم الحمد]ــــــــ[26 May 2007, 07:34 م]ـ
المتضاد نوع من المشترك، ويقال له: الأضداد، والتضاد.
أولاً: تعريفه:
أ - المتضاد في اللغة: أصل المادة: ضَدَدَ: وضد الشيء خلافه، والجمع أضداد، وقد ضادَّه فهما متضادان، والتضاد مصدر [1].
ب - وفي الاصطلاح: 1 - هو دلالة اللفظ الواحد على معنيين متضادين.
مثاله: الجون: يطلق على الأسود، والأبيض.
2 - وهناك تعريف آخر وهو: الكلمات التي تؤدي إلى معنيين متضادين بلفظ واحد.
3 - وقال ابن فارس -رحمه الله-: (ومن سنن العرب في الأسماء أن يسموا المتضادين باسم واحد) [2].
4 - وقيل: هو أن يطلق اللفظ على المعنى وضده [3].
ثانياً: الفرق بين المشترك والمتضاد: 1 - أن المشترك أعم من المتضاد؛ فالمتضاد نوع منه، فكل متضاد مشترك، ولا عكس.
2 - أن المشترك يدل على عدة معان، ولا يلزم أن تكون متضادة.
أما المتضاد فيدل على معنيين، ولا بد أن يكونا متضادين.
فمثلاً: كلمة (العين) تدل على معانٍ عديدة، ولا يلزم منها التضاد؛ فهي -بهذا الاعتبار- مشترك، لا متضاد.
وكلمة الغابر: تطلق على الماضي وتطلق على الباقي؛ فهي بهذا الاعتبار متضاد؛ لأنها دلت على معنيين متضادين.
ثالثاً: كيف يفهم المراد من اللفظ إذا كان متضاداً؟
يفهم من خلال السياق، مثال ذلك كلمة: (جلل) فهي تدل على الشيء اليسير الحقير، وتدل على الشيء العظيم.
فمن الأول: قول لبيد -رضي الله عنه-:
كل شيء ما خلا الله جلل = والفتى يسعى ويلهيه الأملومن الثاني قول الشاعر:
قومي هُمُ قتلوا أميمَ أخي = فإذا رميت يصيبني سهمي
فلئن عفوت لأعفون جللاً = ولئن سطوت لأوهنن عظمي
فمن خلال سياق الكلام في البيت الأول نعلم أن المقصود بـ: (الجلل): الأمر اليسير الحقير، ومن خلال السياق في البيتين الأخيرين نعلم أن المقصود بقوله: (جللاً) أنه الأمر العظيم؛ لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير وهكذا. . . [4]
وهذا ما أجاب به ابن الأنباري عن اعتراض من اعترض على وجود الأضداد؛ حيث قال -رحمه الله-: (ويظن أهل البدع والزيغ، والإزراء بالعرب أن ذلك كان منهم؛ لنقصان حكمتهم، وقلة بلاغتهم، وكثرة الالتباس في محاوراتهم وعند اتصال مخاطباتهم؛ فيسألون عن ذلك، ويحتجون بأن الاسم منبئٌ عن المعنى الذي تحته، ودالٌ عليه، وموضحٌ تأويلَه، فإذا اعتورَ اللفظة الواحدة معنيان مختلفان لم يعرف المخاطب أيهما أراد، وبطل بذلك معنى تعليق الاسم على المسمى.
فأجيبوا عن هذا الذي ظنوه وسألوا عنه بضروب من الأجوبة:
أَحَدُهن: أن كلام العرب يصحح بعضه بعضاً، ويرتبط أوله بآخره، ولا يعرف معنى الخطاب منه إلا باستيفائه، واستكمال جميع حروفه؛ فجاز وقوع اللفظة على المعنيين المتضادين؛ لأنها يتقدمها، ويأتي بعدها ما يدل على خصوصية أحد المعنيين دون الآخر، ولا يراد بها في حال المتكلم والإخبار إلا معنىً واحدٌ) ([5]).
ثم ضرب مثالاً لذلك، وهو من الأبيات الآنفة الذكر.
وضرب أمثلة أخرى من القرآن الكريم فقال: (وقال الله - عز وجل - وهو أصدق قيل: [الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو اللَّهِ] أراد الذين يتيقنون ذلك؛ فلم يذهب وهمُ عاقلٍ إلى أن الله - عز وجل - يمدح قوماً بالشك في لقائه) ([6]).
رابعاً: الخلاف في وقوع الأضداد:
اختلف العلماء في وقوع الأضداد:
1 - فمنهم من قال بإمكان وقوعها، وعدَّ وضْعَها في مألوف القوانين اللغوية، والمواضعات الاصطلاحية؛ وذلك لأن المعاني غير متناهية، والألفاظ متناهية.
وذكروا من عللها وأسبابها وشواهدها الشيء الكثير.
ومن هؤلاء: الأصمعي، وأبو عبيدة، وابن السِّكِّيت، وقطرب، وابن فارس، وابن الأنباري وغيرهم - رحمهم الله -.
2 - ومنهم من أنكر الأضداد، وتأول ما ورد منها في اللغة، ونصوص العربية.
وأشهر هؤلاء: ابن دَرَسْتَويْه -رحمه الله- فإن له مصنفاً في إبطال الأضداد.
قال السيوطي -رحمه الله-: (قال ابن درستويه في شرح الفصيح: النوء: الارتفاع بمشقة وثقل، ومنه قيل للكوكب: قَدْ ناء: إذا طلع.
وزعم قوم من اللغويين أن النوء السقوط - أيضاً - وأنه من الأضداد.
وقد أوضحنا الحجة عليهم في ذلك في كتابنا في إبطال الأضداد. انتهى.
فاستفدنا من هذا أن ابن درستويه ممن ذهب إلى إنكار الأضداد، وأن له في ذلك تأليفاً) [7].
¥