[علم السياق القرآني (15) أبرز المفسرين عناية بالسياق [2]]
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[18 May 2007, 10:59 م]ـ
خامساً: الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب)
الرازي يعتبر من أبرز المفسرين عناية بالسياق من جانب اهتمامه بالمناسبات والروابط ونظم الآيات. ومما يدل على عنايته بذلك قوله: "أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط" ([1]).
وتناوله لذلك ظاهر في بيان وجوه الربط بين الآيات في افتتاح كل آية، فتجده يقول: (ذكروا في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوهاً) ([2])، ويقول في موضع آخر: (في كيفية النظم وجوه) ([3]).
وربما تجده يربط بين الآيات بربطها بموضوع واحد ويذكر الترتيب فيها، ومثال ذلك:
ماجاء في تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًاوَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا} الآية. [البقرة 58]
قال: "اعلم أن هذا هو الإنعام الثامن، وهذه الآية معطوفة على النعم المتقدمة لأنه تعالى كما بين نعمه عليهم بأن ظلل لهم من الغمام وأنزل (عليهم) من المن والسلوى، وهو من النعم العاجلة أتبعه بنعمه عليهم في باب الدين حيث أمرهم بما يمحو ذنوبهم وبين لهم طريق المخلص مما استوجبوه من العقوبة" ([4]).
سادساً: أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط)
يعتبر أبو حيان من أبرز المفسرين الذين عنوا بالسياق واعتبروه في تفسيرهم، ولعل سر ذلك هو بلوغ أبي حيان الرسوخ في علم اللغة والنحو والبلاغة. وقد جاء تفسيره حافلاً بالسياق في جوانب، منها: جانب ارتباط الآي بعضها ببعض، وجانب بيان أسرار التعبير، وجانب الترجيح.
فمن الأمثلة على عنايته بالسياق في جانب ارتباط الآية بعضها ببعض ونظمها في سلك واحد قوله في بداية سورة البقرة: "افتتح تعالى هذه السورة بوصف كلامه المبين، ثم بين أنه هدى لمؤمني هذه الأمة ومدحهم، ثم مدح من ساجلهم في الإيمان وتلاهم من مؤمني أهل الكتاب، وذكر ما هم عليه من الهدى في الحال ومن الظفر في المآل، ثم تلاهم بذكر أضدادهم المختوم على قلوبهم وأسماعهم المغطي أبصارهم الميؤوس من إيمانهم، وذكر ما أعد لهم من العذاب العظيم، ثم أتبع هؤلاء بأحوال المنافقين المخادعين المستهزئين وأخر ذكرهم وإن كانوا أسوأ أحوالاً من المشركين؛ لأنهم اتصفوا في الظاهر بصفات المؤمنين وفي الباطن بصفات الكافرين، فقدم الله ذكر المؤمنين، وثنّى بذكر أهل الشقاء الكافرين، وثلّث بذكر المنافقين الملحدين، وأمعن في ذكر مخازيهم فأنزل فيهم ثلاث عشرة آية، كل ذلك تقبيح لأحوالهم وتنبيه على مخازي أعمالهم، ثم لم يكتف بذكر ذلك حتى أبرز أحوالهم في سورة الأنفال، فكان ذلك أدعى للتنفير عما اجترحوه من قبيح الأفعال. فانظر إلى حسن هذا السياق الذي نوقل في ذروة الإحسان، وتمكن في براعة أقسام البديع وبلاغة معاني البيان" ([5]).
سابعاً: شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم.
يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم من أبرز من اعتمد السياق في بيان كلام الله تعالى، وترجيح الأقوال اعتماداً عليه، وقد قررا ذلك ببيان أهمية السياق.
قال شيخ الإسلام: "فإن الدلالة في كل موضع بحسب سياقه، وما يحف به من القرائن اللفظية والحالية" ([7]).
وقال شيخ الإسلام: "ينظر في كل آية وحديث بخصوصه وسياقه، وما يبين معناه من القرائن والدلالات، فهذا أصل عظيم مهم نافع، في باب فهم الكتاب والسنة، والاستدلال بهما مطلقاً، ونافع في معرفة الاستدلال والاعتراض والجواب، وطرد الدليل ونقضه .. وفي سائر أدلة الخلق" ([8]).
فانظر كيف كان السياق عند ابن تيمية هو الأصل العظيم في فهم الكتاب والسنة، وفي كل العلوم أيّاً كانت، بل وفي جميع حجج الخلق واستدلالاتهم.
وقال ابن القيم: "فائدة إرشادات السياق: السياق يرشد إلى تبيين المجمل وتعيين المحتمل والقطع بعدم احتمال غير المراد وتخصيص العام وتقييد المطلق وتنوع الدلالة، وهذا من أعظم القرائن الدالة على مراد المتكلم فمن أهمله غلط في نظره وغالط في مناظرته فانظر إلى قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان 49] كيف تجد سياقه يدل على أنه الذليل الحقير" ([9]).
ثامناً: البقاعي في تفسيره (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور).
¥