[علم السياق القرآني [13] (علم القراءات وصلته بالسياق.)]
ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[16 Apr 2007, 02:38 م]ـ
علم القراءات من العلوم العظيمة المتعلقة بالتفسير، وهو دال على عظمة هذا القرآن لأن تعدد القراءاتيدل على تعدد المعاني والأحكام.
ولذا فقد عنى العلماء بهذا العلم وألفوا فيه كتباً لا حصر لها ([1]).
وفوائد القراءات عظيمة منها:
1 - أنها من أعظم البراهين على إعجاز القرآن؛ إذ لم يكن فيه تناقض مع تعدد القراءات فيه، كما أنها دالة على بلاغة القرآن وإيجازه، حيث تقرأ الكلمة بأكثر من وجه فتدل على أكثر من معنى.
2 - أجل حكمة فيها هي التيسير على الأمة في القراءة والتخفيف فيها، حيث روعي في ذلك اختلاف اللغات واللهجات
3 - أن لها تأثيراً ظاهراً في تعدد المعاني، والأحكام الفقهية، وذلك أنها في الغالب تتضمن معنيين أو حكمين مختلفين، مثل قراءة {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ} [المائدة 6] فقراءة النصب في علم القراءات وصلته بالسياق.
{وَأَرْجُلَكُمْ} تدل على فرضية الغسل، وقراءة الجر تدل على جواز المسح على الخفين. وهذه الخاصية من أعظم المقاصد في ورود القراءات في كتاب الله تعالى. ([2]).
والخلاصة هي أن تنوع القراءات يقوم مقام تعدد الآيات ([3]).
الصلة بين السياق وعلم القراءات.
السياق هو العمدة في توجيه القراءات، وذلك لأن تعدد القراءات كما ذكرت يدل على تعدد المعنى والحكم في الآية. والذي يظهر هو السياق غالباً، وقد تجلى لي في تفسير سورة البقرة، أن ورود القراءات في الآية دال على تعدد المعنى والحكم فيها، وتجلى أيضاً أن السياق له أثر في إظهار معنى كل قراءة.
ومن أمثلة ذلك: القراءات الواردة في قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة 4]
أفاض المفسرون في ذكر القراءات فيها، وتنازعوا في الترجيح بينها، وتوسعوا في بيان أوجه ترجيحها ([4]). والقراءات المتواترة فيها قراءة {ملك} و {مالك} ([5]).
والذي يؤيده السياق ظاهراً هو القول بمجموع القراءتين من غير ترجيح بينهما، بل لا يكمل المعنى المراد إلا بهما جميعاً، مع أن {ملك} أعظم وأعلى من +مالك" من حيث المعنى والدلالة، كما بين الرحمن على الرحيم من المعنى والدلالة والمنزلة.
ويتبين هذا القول من وجوه:
أولاً: أن مجموعهما دال على معاني الملك كله وكماله، وذلك كله داخل في إظهار اختصاصه تعالى وتفرده بالكمال المطلق كما هو مضمون السورة وسياقها، ودلالة ذلك من جهة أن الملك أعظم قدرة وقهراً وسلطاناً، والمالك أعظم تصرفاً، فالأول في القهر والثاني في التصرف. والكمال في الملك لا يتم إلا بالمِلك المفيد لتمام التصرف وهو ما تفيده قراءة {مالك}، والمُلك المفيد للعزة، المقرون بالهيبة، المثمر للبطش والقهر، المنتج لنفوذ الأمر، وهو ما تفيده قراءة {ملك} [6]). فثبت أن الكمال لا يتحقق إلا باجتماع معنى القراءتين، و به يثبت ترجيحهما على السواء.
ثانياً: دلالة السياق اللفظي عليه، من عدة وجوه، منها:
1 - أن الجمع أنسب بسياق الآية من حيث الإضافة إلى يوم الدين، الذي يشتمل على القهر والتصرف. وقد تصدى المفسرون والمحتجون للقراءات لبيان ما في كلا القراءتين من خصوصيات بحسب قصر النظر على مفهوم كلمة ملك، ومفهوم كلمة مالك، وغفلوا عن إضافة الكلمة إلى يوم الدين، فأما والكلمة مضافة إلى يوم الدين فقد استويا في إفادة أنه القاهر المتصرف في ذلك اليوم وحده دون سواه ([7]). والقرآن يشهد للقراءتين باجتماعهما صراحة في يوم القيامة، فالمعنى الأول يشهد له قوله تعالى: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر 16]، والثاني يشهد له قوله تعالى: {ر يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً} [الانفطار 19]، فظهر بذلك صحة كمال القراءة بهما جميعاً، وأن كمال المعنى لا يتحقق إلا باجتماعهما.
2 - مناسبتهما لما قبلهما من حيث أنهما جميعاً بمنزلة الرحمن الرحيم، وذلك أن الرحمن والملك اسمان متعلقان بذات الله تعالى وصفته، والرحيم والمالك متعلقات بفعل الله تعالى وأثر اتصافه بالصفة. فكما جمع تعالى بين الرحمن الرحيم، جمع بين القراءتين، وبذلك يتبين كمال المعنى باجتماعهما، قال القرطبي: إن وصف الله سبحانه بأنه ملك كان ذلك من صفات ذاته، وإن وصف بأنه مالك كان ذلك من صفات فعله ([8]).
¥