تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[علم مقاصد السور [3] (أهمية علم مقاصد السور ومنزلته في التفسير)]

ـ[محمد الربيعة]ــــــــ[16 Jun 2007, 06:26 ص]ـ

أهمية علم مقاصد السور ومنزلته

تتبين أهمية علم مقاصد السور بأمور:

أولاً: أن علم مقاصد السور راجع إلى تحقيق المقصد من إنزال هذا القرآن كله وهو التدبر والهداية، كما قال تعالى {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته} [ص: 29] فالله تعالى أمرنا بالتدبر، لمعرفة مراده تعالى من كلامه والعمل به، وليس المقصود بالتدبر هو النظر في عباراته وألفاظه دون النظر لمقاصده ومراد الله تعالى فيه، وما تهدي إليه سوره وآياته من الهدايات والدلالات التي بها يتحقق الفهم والعمل، ومن هنا تتبين أهمية علم المقاصد، إذ أنه يركز على تحقيق مراد الله تعالى في كلامه، بالنظر إلى مجمل السورة وبيان مجمع معانيها.

قال الشاطبي: " فإن كل عاقل يعلم أن مقصود الخطاب ليس هو التفقه في العبارة، وإنما التفقه في المعبّر عنه والمراد به، كما يعلم من أن المساقات تختلف باختلاف الأحوال والأوقات، فلا محيص للمتفهم عن التعلق بأول الكلام وآخره ليحصل له المقصود منه، فإن فرّق النظر لم يتوصل إلى المراد" ([1]).

ثانياً: أن مقصد السورة هو أصل معانيها التي ترجع إليه، فهو أصل في فهم معاني كلام الله تعالى، ولهذا فإن معاني السورة لا تتحقق إلا بعد استيفاء جميعها بالنظر واستخراج مقصدها.

وقد قرر ذلك الشاطبي فقال: " اعتبار جهة النظم في السورة لا يتم به فائدة إلا بعد استيفاء جميعها بالنظر؛ فالاقتصار على بعضها غير مفيد للمقصود منها، كما أن الاقتصار على بعض الآية في استفادة حكم ما لا يفيد إلا بعد كمال النظر في جميعها" ([2]).

ثالثاً: أن معرفة مقصد السورة الذي تنتظم به معانيها وآياتها سبيل للسلامة من الخطأ وتفسير كلام الله على غير مراده ([3]).

رابعاً: أن تفسير القرآن باعتبار مقاصد السور هو المنهج الأسلم الذي يجعل كلام الله مؤتلفاً منتظماً على نحو كمال نظمه ومعناه، وتكون السورة معه كالبناء المرصوص وكالعقد المتناسق.

قال البقاعي في بيان أثره في السورة: " تكون السورة كالشجرة النضيرة العالية، والدوحة البهيجة الأنيقة الخالية، المزينة بأنواع الزينة المنظومة بعد أنيق الورق بأفنان الدر، وأفنانها منعطفة إلى تلك المقاطع كالدوائر، وكل دائرة منها لها شعبة متصلة بما قبلها، وشعبة ملتحمة بما بعدها، وآخر السورة قد واصل أولها، كما لاحم انتهاؤها ما بعدها، وعانق ابتداؤها ما قبلها، فصارت كل سورة دائرة كبرى، مشتملة على دوائر الآيات الغرّ، البديعة النظم، العجيبة الضم، بلين تعاطف أفنانها، وحسن تواصل ثمارها وأغصانها " ([4]).

ويقول محمد دارز في كتابه النبأ العظيم مؤكداً ذلك ومجليه: " لماذا نقول إن المعاني تنتسق في السورة كما تنتسق الحجرات في البنيان؟ لا. بل إنها لتلتحم فيها كما تلتحم الأعضاء في جسم الإنسان، فبين كل قطعة وجارتها رباط موضعي من أنفسهما، كما يلتقي العظمان عند المفصل، ومن فوقهما تمتد شبكة من الوشائج تحيط بهما عن كثب، كما يشتبك العضوان بالشرايين والعروق والأعصاب، ومن وراء ذلك كله يسري في جملة السورة اتجاه معين، وتؤدي بمجموعها غرضاً خاصاً، كما يأخذ الجسم قواماً واحداً، ويتعاون بجملته على أداء غرض واحد، مع اختلاف وظائفه العضوية " ([5]).

خامساً: بمعرفة مقصد السورة تنتظم آيات السورة وتظهر المناسبات بين آياتها فتكون لحمة واحدة يجمعها معنى واحد.

قال البقاعي: " ومن حقق المقصود من السورة عرف تناسب آيها وقصصها وجميع أجزائها .. " ([6]).

وقال: " الأمر الكلي المفيد لعرفان مناسبات الآيات في جميع القرآن هو أنك تنظر الغرض الذي سيقت له السورة، وتنظر ما يحتاج إليه ذلك الغرض من المقدمات .. وتنظر عند انجرار الكلام في المقدمات إلى ما يستتبعه من استشراف نفس السامع إلى الأحكام واللوازم التابعة له " ([7]).

سادساً: أن هذا الاتجاه في التفسير هو من تفسير القرآن بالقرآن، فهو تفسير القرآن بالنظر والتأمل والتدقيق فيما توحي إليه السورة من تحقيق مراد الله تعالى في كلامه، بالنظر في افتتاح السورة واختتامها، وسابقها ولاحقها، وموضوعاتها، وألفاظها.

سابعاً: إن علم مقاصد القرآن علم يبرز إعجاز القرآن وبلاغته وكماله، فإن من إعجازه وبلاغته نظام السور في وحدة بنائها وترابطها، ولذلك تحدى العرب بسوره.

قال سعيد حوى في تفسيره الأساس: " قد استطعت بحمد الله أن أبرهن على أن كمال القرآن في وحدة آياته في السورة الواحدة وكماله في الوحدة الجامعة التي تجمع ما بين سوره وآياته على طريقة لم يعرف لها العالم مثيلا،ولا تخطر على قلب بشر" ([8]).

ثامناً: أن هذا العلم يبعث على رسوخ الإيمان، وزيادة نور القلب، وقرار العين بما يتضح من روائع هذا العلم العظيم، ويحصل معه من اللذة والمتعة والسرور ما لا يحصل في غيره، ذلك أنه علم يبحث في الحكم والمقاصد الدقيقة التي تمثل روح القرآن وأسراره العظيمة.


([1]) ((الموافقات)) (3/ 409) ..

([2]) ((الموافقات)) (3/ 415).

([3]) ((دلائل النظام)) (ص75).

([4]) ((مصاعد النظر)) (ص149).

([5]) ((النبأ العظيم)) (155).

([6]) ((مصاعد النظر)) (ص149).

([7]) ((نظم الدرر)) (1/ 17).

([8]) ((الأساس)) (1/ 27).
¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير