[قراءة في التضمين النحوي في القرآن الكريم والحديث النبوي]
ـ[د. أبو عائشة]ــــــــ[27 Jun 2007, 09:23 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
قراءة في التضمين النحوي
في القرآن الكريم والحديث النبوي
التضمين
هو أن يقصد بلفظ فعل معناه الحقيقي ويلاحظ معه معنى فعلٍ أخر يناسبه ويدل عليه بذكر شيءٍ من متعلقاته ((1))، ويتم بتعدية الفعل بحرفٍ لا يتعدى به عادةً.
ومذهب الكوفيين فيه:
هو النيابة أي إنّ الحرف قد ناب عن حرفٍ أخر ((2)) يُعدى به الفعل المذكور، وقد غُلط هذا المذهب، والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين ((3)).
مذهب البصريين
إبقاء الحرف على موضوعه الأول إما بتأويلٍ يقبله اللفظ أو تضمين الفعل معنى فعلٍ أخر يتعدى بذلك الحرف ... ((4)).
عمل المفسرينالمفسرون في تفاسيرهم (قديماً وحديثاً) أسرى هذا الخلاف على الأغلب فهم ينقلون الرأيين دونما مفاضلةٍ بينهما ((5)).
أساس الخلاف
والذي جعل أغلب مؤيدي المذهب البصري ينقلون تفسيراتٍ متعددةٍ هو ما وقع البلاغيون فيه من خلافٍ حول القصدية في مثل هذا الأسلوب فهل المذكور هو المراد أم المؤول مراد، وهل تراد الحقيقة هنا أو هو على إرادة المجاز.
ثمرة الخلاف
قد يظن أن هذا خلاف لا ثمرة منه على عكس ما عليه الأمر، وما كان أغنى المختلفين عن مواصلة اختلافهم دون التنبيه على ثمرته إذ التضمين دون بيان ثمرته لا يخرج عن مجرد الجدال النظري، لاسيما أن من علمائنا (قدماء ومحدثين) من ذهب إلى القول بالجمع ما بين المعنيين المفترضين في التضمين، يقول الأشموني: (التضمين إشراب اللفظ معنى لفظٍ أخر وإعطاؤه حكمه لتصير الكلمة تؤدي مؤدى كلمتين ... ) ((6))
ويقول الشيخ (يس) في حاشيته على التصريح (إن المعنيين مرادان على طريق الكناية فُيراد المعنى الأصلي توصلاً إلى المعنى المقصود أو أن المعنيين مرادان على طريق عموم المجاز أو إرادة المعنيين عن طريق الملزوم ... ) ((7)) وعدّه ابن جني من التوسع في كلام العرب ((8)) فالفائدة كبيرة في التضمين وهي (إعطاء مجموع المعنيين، فالفعلان مقصودان معاً قصداً وتبعاً) ((9)).
وبهذا يكون للتضمين غرض بلاغي لطيف وهو الجمع بين معنيين بأخصر أسلوب وذلك بذكر فعلٍ وذكر حرف جر يستعمل مع فعلٍ أخر فنكسب بذلك معنيين:
معنى الفعل الأول ومعنى الفعل الثاني الذي ذُكر شيء من متعلقاته ((10)).
شروط التضمين
وضع الشيخ محمد الخضر حسين شروطاً للتضمين وهي:
1.وجود مناسبة بين الفعلين
2.وأن يكون الكاتب من أهل العلم بوضع الألفاظ العربية ومعرفة طرق استعمالها ((11))
3.في حين اشترط مجمع القاهرة ألا يلجأ إلى التضمين إلا لغرض بلاغي ((12)).
الراجح في مسألة التضمين
الجمع بين معنيي التضمين بالشروط السابقة هو الصحيح لأن من أنكر الجمع بين الحقيقة والمجاز من البلاغيين كان يعتمد على خلافٍ افتراضي مع الأصوليين حول قرينة المجاز فـ (الجمع بين الحقيقة والمجاز إنما يتأتى على قول الأصوليين أن قرينة المجاز لا يشترط أن تكون مانعة أما على قولِ البيانيين يشترط أن تكون القرينة مانعةً فقيل: التضمين حقيقة ملوحة لغيرها) ((13)).وبهذا يصبح للعلم الجديد الذي يأتي من امتزاج النحو والمعاني - كما يقول الدكتور تمام حسان - مضمون لأنه يصبح شديد الارتباط بمعاني الجمل ومواطن استعمالها وما يُناط بكل جملة منها من معنى ((14)).
في الوقت نفسه الذي سيجوز لنا هذا أن نتوسع في الموضوع ونُدخِلَ التضمين في اللغة الأدبية والأسلوب الفني المعتمد على توليد الصور الأدبية، التي يرى الدكتور إبراهيم السامرائي، أنها تستمد عناصر فنيتها من الخيال الذاتي للأديب، ومما توحيه إليه بيئته ومجتمعه ((15)) على أن يقيد ذلك بالتأكيد بالشروط التي سبقت.
أمثلة على مسألة التضمين
أكثرت عمداً من نصوص التي جاء فيها التضمين للتأكيد على التعامل مع كل يذكر في السياق على أنه مقصودٌ بالاختيار لوظيفةٍ سياقيةٍ لا يؤديها غيره مثله حتى وإن كان أصحّ قياساً منه:
-ففي قوله تعالى: ? عيناً يشرب بها عباد الله ? (الإنسان: 6)
¥