[هل تم ترتيب القرآن بالوحي ام باجتهاد الصحابة؟]
ـ[عبدالله جلغوم]ــــــــ[12 Jun 2007, 11:01 ص]ـ
هل تم ترتيب القرآن بالوحي أم باجتهاد من الصحابة؟
إن بداية التساؤل عن ترتيب القرآن على هذا النحو- والذي جاء في مرحلة متأخرة، بعد الجمع الأخير في زمن الخليفة عثمان رضي الله عنه - قد ادخل مسألة ترتيب القرآن في دوامة من الآراء والاختلافات لم تخرج منها إلى الآن , بل لقد طغى البحث في تلك الاختلافات على البحث في ترتيب القرآن , بسبب ما حمله التساؤل من توهم البعض أن ترتيب القرآن أو بعضه كان من عمل الصحابة واجتهادهم الشخصي.
استبعاد الترتيب كوجه إعجازي:
وقد أدى كل ذلك في النهاية إلي ابتعاد إجباري وشبه كامل عن البحث في الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب النزول , واستبعاد الترتيب كوجه من وجوه إعجاز القرآن , وسبب ذلك أن القول: أن ترتيب سور القرآن أو بعضها كان من عمل الصحابة واجتهادهم الشخصي مجردا من التوجيه الإلهي (من عمل البشر) أضفى عليه صفة بشرية تحتمل الخطأ والصواب , وبالتالي نفى عنه صفة الإعجاز , وحوله في النهاية إلى مسألة خلافية (موضع اختلاف بين العلماء).
ومن الملاحظ في هذه الناحية انتصار أعداء القرآن – في عصرنا هذا - لهذا الرأي ومصلحتهم في ذلك، لاحتماله الخطأ والصواب مادام فعلا بشريا.
جمع القرآن وفق ترتيب معلوم:
توفي الرسول صلى الله عليه وسلم , وانقطع الوحي واكتمل نزول القرآن , وجمع
القرآن مرتب السور والآيات في زمن الخليفة عثمان بن عفان سنة 25 هـ , ونسخت منه عدة نسخ ووزعت على الأمصار , وقد تم كل ذلك وفق ما علمه الصحابة رضي الله عنهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
وهو جمع كما نرى قد تم وفق أسس ثابتة ومعلومة تعود إلى ما هو معلوم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وليس كما فهمه البعض وفسره على أنه اجتهاد شخصي ترتب عليه استحداث ترتيب غير معلوم. فالقول أن ترتيب سور القرآن كان باجتهاد من الصحابة يعني: أنهم بذلوا جهدهم في ترتيب القرآن والمحافظة عليه وفق الصورة المعلومة لديهم لا أنهم جاءوا بترتيب جديد وفق أهوائهم وتقديراتهم.
إن فهم مسألة الترتيب على النحو الذي يعود بها إلى الاجتهاد الشخصي للصحابة دون ربط ذلك الاجتهاد بما كان معلوما لديهم , قد أدى أيضا إلى غياب الإجابة على التساؤل الأهم الذي أثارته ظاهرة الترتيب القرآني: ما الحكمة من ترتيب القرآن على غير ترتيب نزوله؟.
طريقة نزول القرآن دليل على توقيفية الترتيب:من المعلوم أن القرآن قد نزل مفرقا ثم رتب على نحو مخالف لترتيب النزول .. وهذا بحد ذاته دليل على أن ترتيب القرآن توقيفي.
كان من الممكن مثلا أن ينزل القرآن مفرقا , آية أو آيات من سورة ... إلى أن تنتهي السورة. ثم سورة أخرى على دفعات تساير الأحداث والوقائع وحاجات الناس , ويتم ترتيب كل ذلك أولا بأول .. مثل ذلك لم يكن. كان جبريل عليه السلام ينزل بالآية أو الآيات من السورة , وقد ينزل بعد ذلك بسورة كاملة , تاركا سورة غير مكتملة , ثم بعدد من الآيات تلحق بسورة سابقة , يحدد جبريل للرسول صلى الله عليه وسلم موقع الآيات في تلك السورة. من الواضح أن الطريقة التي كان ينزل القرآن فيها تدل على وجود ترتيب مسبق محدد للقرآن يتم نقله وتشكيله بالتدريج , مختلف تماما عن ترتيب النزول. ولا بد أن يكون وراء ذلك حكمة ما .. ولم يكن أحد يعلم ما شكل هذا الترتيب الذي سيكون عليه القرآن في النهاية.
[يخلط البعض بين مسألة نزول القرآن مفرقا وبين ترتيبه على نحو مخالف لترتيب النزول ويجعلهما مسألة واحدة، فحين يتعرض لمسألة الحكمة من الترتيب يتحدث عن الحكمة من نزول القرآن مفرقا]
موقف المتأخرين من هذه المسألة:
وانتهى الموقف في عصرنا إلى انه يجب احترام هذا الترتيب: (وسواء أكان ترتيب سور القرآن اجتهاديا (من الصحابة) أو توقيفيا (من عند الله) فانه يجب احترامه). (الزرقاني: مناهل العرفان 1/ 344).
لاحظ اضطرار العالم المسلم هنا إلى الاعتراف والمساواة بين ترتيبين أحدهما اجتهادي والآخر توقيفي ..
قول ثالث:
¥