[من مقدمة كتاب: "الفيض العميم في معنى القرآن العظيم" للشيخ أحمد الدمنهوري ت 1192ه]
ـ[أبو عبيدة الهاني]ــــــــ[30 Apr 2007, 12:21 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
حمدا لمن أورثنا كتابه المبين، ومنّ علينا بالاهتداء بنوره المستبين، وصلاة وسلاما على صفيه من خلاصة الأنام، سيدنا ومولانا محمد المستمر شرعه على الدوام، وعلى آله وأصحابه المعربين عنه لمعانيه، المبلّغين من بعدهم بالتواتر لتراكيبه ومبانيه، ما لهجت ألسنة الحافظين بتلاوته، وتحلّت جياد الطروس برسم كتابته.
وبعد؛
فيقول المشفق مما جناه من الزلل، أحمد الدمنهوري المرتجي من مولاه إصلاح الخلل: لمّا أتيح لي في غابر الزمان، قراءة تفسير بعض سور من القرآن، من أول الضحى إلى آخر سورة الناس، وحصل للطلبة بذلك كمال الاستئناس، التمس مني بعضهم أن أكتب على ذلك المرام، كتابة وسطا ينتفع بها غالبُ العوام، لكثرة من يحفظ هذه السور القصار، فيحصل لهم ببيان معناها الفوائد الغزار؛
فأجبته وإن كنت لست أهلا لذلك، ولا ممن له قدرة على سلوك تلك المسالك، لأن معاني القرآن العظيم بحر عميق، لا يهتدي لبعضها إلا من تحقق بكمال التوفيق، غير أن اعتمادي على من بيده المواهب السنية، هو الذي أباح لي التوجه تلقاء مدين هذه الأمنية.
وقد اقتصرت على المشهور من أقوال المفسرين، وتركت العزو غالبا للاختصار إلى الأئمة المعتبرين، وذكرت في أول الكلام معاني غريب الألفاظ، وأعربت ما أشكل إعرابه على بعض الحفاظ، ثم ذكرت تفسير المركبات، متبعا له ببيان بعض القراءات، مسميا بذلك بالمبادي واللواحق والمقاصد، وبالخواتم لتسهل المراجعة على القاصد، مشيرا لكل واحد بآخره من الحروف، كالياء المثناة من المبادي فآخر البقية معروف، والجائز من القراءات ما صح سنده موافقا للإمام، وكان له وجه في العربية عند الأعلام، والممتنع ما فقد شيئا من هذه الأركان، وهو ما خرج عن طريق الطيبة في هذا الزمان.
وحيث ذكرت الخلاف في الحرف فمرادي الأول، فإن زدت شاذا فمرادي الثاني ليعلم ما عليه المعوَّل، وما عوّلت عليه طريق طيبة النشر، لما يأتي من أنّه المتواتر عند القراء العشر، وسميت هذه العجالة بـ"الفيض العميم في معنى القرآن العظيم"، والله أسأل أن ينفع به أهل الاستفادة، وأن يجعله سببا للفوز بالحسنى وزيادة.
ولنبدأ بمقدمة تشتمل على فوائد ينتفع بها الطالب، فنقول منها: ينبغي للشارع في علم قبل الشروع فيه معرفة ماهيته وموضوعه ليكون على بصيرة، والغرض منه لئلا يكون سعيه عبثا، واستمداده ليعينه على تحصيله.
فالتفسير، في الأصل: الكشف والإبانة.
والتأويل، مشتق من الأول: وهو الرجوع إلى الأصل.
فعلم التفسير: علم يبحث فيه عن أحوال القرآن المجيد من حيث دلالته على معناه بحسب الطاقة البشرية.
ثم هو قسمان:
ـ تفسير، وهو ما لا يدرك إلا بالنقل، كأسباب النزول.
ـ وتأويل، وهو ما يمكن إدراكه بالقواعد العربية غير خارج عن معنى الكتاب والسنة، فيجوز بالرأي بشروطه، دون التفسير.
فالفرق بينهما أن التفسير كشهادة على الله وقطع بأنه عنى بهذا اللفظ هذا المعنى، فلا يجوز إلا بتوقيف. ولذا جزم الحاكم بأن تفسير الصحابي في حكم المرفوع. والتأويل ترجيح لأحد المحتملات بلا قطع، فاغتفر.
وما ورد من الأخبار والآثار في وعيد من فسّر برأيه فليتبوأ مقعده من النار، المستدل به على تحريم التكلم بغير المسموع، محمولٌ على من قال من قِبَل نفسه شيئا من غير علم، أو لترويج بدعته، كحمل فرعون في: ?اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى? [طه:24] على النفس، والنعلين على الدنيا والآخرة، فإن هذا الحمل ليس له طريق من الطرق، بخلاف ما له طريق فإنه يجوز.
قال بعضهم: وأما التأويل، وهو صرف الآية إلى معنى محتمل مناسب لما قبلها وما بعدها، غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط قد رخص فيه لأهل العلم. انتهى. وذلك كتأويل الكفار من قوله تعالى: ?قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ? [التوبة:123] بالجوارح بسبب استعمالها في غير ما خلقت لأجله، وذلك بعد بيان المعنى الظاهر من الآية، لا على أنه معنى الآية فيكون إلحادًا يُتوَصل به إلى نفي الشريعة وهو كفر.
قال النسفي في عقائده: النصوص على ظواهرها، والعدول عنها إلى معان أبدعتها أهل الباطن إلحاد.
¥