[ثلاث أفكار في الأمثال القرآنية]
ـ[مساعد الطيار]ــــــــ[02 May 2007, 04:03 ص]ـ
لا يخفى على من اطلع على أمثال القرآن أنها من علوم القرآن المهمة، كيف لا، وقد قال الله تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ)، وقال: (وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) وإذا كان هذا هو شأن الأمثال، فحريُّ بالمسلم ـ فضلا عن المتخصص في الدراسات القرآنية ـ أن يعلمها ويعقلها.
ولما كانت الأمثال القرآنية بهذه المرتبة، فإنك تجد ابن عباس (ت: 68) يجعلها من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله والراسخون في العلم، فقد روى عنه الطبري في تفسير قوله تعالى: (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) قوله: ((المحكمات: ناسخه، وحلالُه وحرَامه، وحدوده وفرائضُه، وما يؤمن به ويعمل به.
والمتشابهات: منسوخه، ومقدَّمه ومؤخره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يُعمل به)).
كما جعل ابن عباس (ت: 68) معرفة الأمثال القرآنية من الحكمة التي يؤتيها الله للعبد المسلم، فقد روى الطبري بسنده عن ابن عباس قال في قوله: (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا): ((يعني: المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه، ومحكمه ومتشابهه، ومقدمه ومؤخره، وحلاله وحرامه، وأمثاله)).
هذا، وقد تكلَّم العلماء في أمثال القرآن من وجوه:
ـ معانيها.
ـ بلاغتها.
ـ ما تحتمله من استنباطات وفوائد علمية وعملية.
وقد ظهرت دراسات معاصرة كثيرة في أمثال القرآن، وقد ظهر لي أن أضيف إلى هذه الدراسات ثلاث أفكار تتعلق بهذه الأمثال، ولقد كنت أود تحبير هذه الأفكار، فلما طال عليَّ الأمد رأيت أن أطرحها كما كتبتها بادي الرأي، ولعلها تتنقح بتعليقات الأعضاء، وإليك هذه الأفكار:
أولاً: إن بعض الأمثال القرآنية تحتمل أكثر من نوع أو صورة.
وذلك يعني أنه سيكون الاختلاف في تحديد المراد بالمثل من باب اختلاف التنوع، إذا كان المثل يحتملها بلا تضادٍّ.
ويحسن أن يُنَبَّه على صحة انطباق المثل على ما يُذكر من تفسيره، وستأتي الإشارة إلى ذلك في المثال الآتي:
{أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ}
فقد اختلف السلف في المعنى الذي ضُرِب به المثل على أقوال:
الأول: عن ابن عباس قال: ((سأل عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: فيم تَرَون أنزلت:"أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب"؟ فقالوا: الله أعلم. فغضب عمر فقال: قولوا:"نعلم" أو"لا نعلم". فقال ابن عباس: في نفسي منها شيء، يا أمير المؤمنين. فقال عمر: قل يا ابن أخي، ولا تحقِّر نفسك! قال ابن عباس: ضربت مثلا لعمل. قال عمر: أي عمل؟ قال: لعمل. فقال عمر: رجل عنيٌّ يعمل الحسنات، ثم بعث الله له الشيطان، فعمل بالمعاصي حتى أغرق أعماله كلها= قال: وسمعت عبد الله بن أبي مليكة يحدث نحو هذا عن ابن عباس، سمعه منه))،
الثاني: عن السدي: ((هذا مثل آخر لنفقة الرياء. إنه ينفق ماله يرائي الناس به، فيذهب ماله منه وهو يرائي، فلا يأجره الله فيه. فإذا كان يوم القيامة واحتاجَ إلى نفقته، وجدها قد أحرقها الرياء، فذهبت كما أنفق هذا الرجل على جنته، حتى إذا بلغت وكثر عياله واحتاج إلى جنته جاءت ريح فيها سَموم فأحرقت جنته، فلم يجد منها شيئًا. فكذلك المنفق رياء)).
الثالث: عن ابن عباس: ((ضرب الله مثلا حسنًا، وكل أمثاله حسنٌ تبارك وتعالى. وقال قال: "أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل" إلى قوله:"فيها من كل الثمرات" يقول: صنعه في شبيبته، فأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء عند آخر عمره، فجاءه إعصار فيه نار فاحترق بستانه، فلم يكن عنده قوة أن يغرس مثله، ولم يكن عند نسله خير يعودون عليه. وكذلك الكافر يوم القيامة، إذا رُدّ إلى الله تعالى ليس له خيرٌ فيستعتب، كما ليس له قوة فيغرس مثل بستانه، ولا يجد خيرًا قدم لنفسه يعود عليه، كما لم يغن عن هذا ولده، وحُرِم أجره عند أفقرِ ما كان إليه، كما حرم هذا جنته عند أفقر ما كان إليها عند كبره
¥