[رحلة القرآن العظيم - سلسلة حلقات على قناة المجد الوثائقية]
ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[23 May 2007, 08:29 ص]ـ
رحلة القرآن العظيم (1)
مكة المكرمة هذه المدينة المقدسة التي تحيط بها الكتل الجبلية السوداء الداكنة ذات التركيب الجرانيتي، تقع في غرب جزيرة العرب على السفوح الدنيا لجبال الثروات، وتنام في بطن وادٍ غير ذي زرع، تلفها الجبال من جميع جهاتها، ممثلة نقطة التقاء بين تهامة والثروات.
تنتصف طريق الشام واليمن بمنافذ قليلة من الجبال الجرداء، إذ يمتد شرقاً جبل أبي قبيس، يكتنفه جبل الخندمة، وغرباً جبل هندي، يفصلهما وادي البطحاء الذي يقع فيه البيت العتيق.
وترتفع عن سطح البحر مقدار ثلاثمائة متر، وكان لموقع مكة هذا أثر كبير على طريق التجارة القديم، فهي محط القوافل القادمة من الشام إلى اليمن، وما وليها من أرض الحبشة، ومحط الاستقرار في حضارات العالم القديم.
وتعتبر منطقة مكة المكرمة منطقة انتقالية بين تأثيرات البحر المتوسط والمناخ الموسمي، وتتأثر بقربها من ساحل البحر الأحمر وجبال الثروات الغربية، وتتأثر في الصيف بالجبهات المدارية، فيبلغ معدل الحرارة السنوي حوالي إحدى وثلاثين درجة، وتختلف درجة الحرارة بين فصل وآخر، فتصل في الصيف إلى ثمانٍ وأربعين درجة، بينما تنخفض في الشتاء إلى ثماني عشرة درجة.
وأمطار مكة نموذج للأمطار الصحراوية، بحيث تختلف اختلافاً كبيراً بين سنة وأخرى، وتتراوح بين ثمانين ملليمتراً ومائة وخمسة وعشرين ملليمتراً، تسقط في فصل الشتاء، وهو الفصل الممطر الرئيس في شهر كانون الثاني يناير الذي يعتبر أكثر الشهور مطراً.
مكة المكرمة هذه هي الذي اختارها الله تعالى بين الجبال السود الداكنة لتشهد الأحداث العظام، ففي جبل ثور استظل الغار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصاحبه أبا بكر -رضي الله عنه- وعلى بطاح وديانها وادي منى كان الصراع بين الخليل إبراهيم -عليه السلام- وإبليس اللعين.
وبين جبالها تمت بيعتا العقبة، ويهل إليها الحجيج من كل فج عميق، في الخيف والمزدلفة وعرفات حيث وقف محمد -صلى الله عليه وسلم- أسفل جبل الرحمة يبين للناس أمور دينهم ودنياهم في أبلغ موقف.
إنها مكة موطن دعوة التوحيد الأولى، التي دعا إليها سيدنا إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- فيها يحط جبل النور وغار حراء مطلاً على البيت العتيق، يذكر بمهبط الوحي على النبي العربي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي شمل العالم بنوره.
في قمة جبل النور، جبل حراء الغار الذي نزلت به أولى آيات القرآن الكريم:
? اقْرَأْ بِاسم رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الأنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الأنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ? [سورة العلق، الآية 1: 5].
وكان محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف الكتابة والقراءة، قال تعال في سورة العنكبوت:
? وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لاَّرْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ? [سورة العنكبوت، الآية 48].
فلا بد والحالة هذه من أن يتقلى القرآن تقليناً، ويحفظه من ملك الوحي مشافهة:
? لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ ? [القيامة: 16، 17].
لقد نزل القرآن الكريم على مراحل ليكون أقرب للحفظ، وأسهل على الضبط، وأبعد عن النسيان، وكانت الآيات القرآنية تتنزل عليه تتابع تارة وتبطئ أخرى، قال تعالى:
? وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً ?. [سورة الفرقان، الآية 32].
لقد استمر نزول القرآن الكريم ثلاثا وعشرين سنة من بعثته حتى وفاته -صلى الله عليه وسلم- وقد حرص منذ اللحظة الأولى على حفظه واستظهاره وعلى تدوينه وكتابته فور نزوله، وبما أنه لا يكتب ولا يقرأ -صلى الله عليه وسلم- فقد تم التدوين هذا تحت إشرافه ورقابته.
¥