تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فقد اطرد النفي بـ (ما) في السياق كله إلا قوله: "إن هم إلا يظنون"، فقال: "ما هي إلا .. وما يهلكنا .. وما لهم بذلك .. وإن هم"، وسبب هذا العدول إلى (إن) النافية هنا، أن هذا التعقيب هو رد من المولى -عزوجل- على كلامهم السابق، فناسب ذلك الإمعان في التأكيد على مرحلتين: الأولى: بالنفي بـ (ما) في قوله: "ما لهم بذلك من علم" بدليل مجيء (من) للتأكيد في قوله: "من علم"، فأفادت نفي وجود أي شيء لهم من العلم، ثم ارتقى التأكيد بالنفي -في المرحلة الثانية- إلى مستوى أعلى من سابقه، فقال: "إن هم إلا يظنون" فكانت (إن) هنا أنسب في التأكيد من (ما).

وهو ما يظهر لنا جلياً أيضاً في خطاب نبي الله شعيب عليه السلام لقومه، بقوله: ?وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ? [هود:88].

فعدل في النفي عن (ما) إلى (إن) فقال: "إن أريد إلا الإصلاح"، ولم يقل: "وما أريد إلا الإصلاح" فيطرد النفي بـ (ما)؛ لأن نبرة التأكيد قد ارتفعت لدى نبي الله شعيب عليه السلام فأمعن في التأكيد لقومه المكذبين له بقوله: "إن أريد إلا الإصلاح"، مؤكداً بذلك هدفه من رسالته ودعوته.

ويستوقفنا في هذا المقام قول المولى -عزوجل- مخاطباً نبيه - (صلى الله عليه وسلم) - بقوله: ?وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ? [فاطر: 22 - 23].

فلم يطرد النفي بـ (ما) فيكون "وما أنت إلا نذير" كما قال "وما أنت بمسمع من في القبور"؛ وذلك لأن النفي في الأولى "وما أنت بمسمع من في القبور"، أمر مسلم به فلا يحتاج إلى مزيد تأكيد، فإسماع الموتى أمر مستحيل تصوره وحصوله، سواء أكانوا موتى القلوب أم موتى الأجساد، لكنه عدل بعد ذلك إلى (إن)، فقال: "إن أنت إلا نذير"؛ لأن المولى -عزوجل- أراد في هذا السياق الإمعان في التأكيد لنبيه - (صلى الله عليه وسلم) - أنه نذير فحسب، ولا يملك القدرة على هداية قلوب الخلق، وإنما وظيفته الإنذار.

والرسول - (صلى الله عليه وسلم) - يعلم أنه نذير، فما دلالة التأكيد بالقصر في هذا السياق؟

والجواب: "أنهُ نزّلُ الرسول - (صلى الله عليه وسلم) - منزلة من يعتقد أنه يملك مع صفة الإنذار القدرة على هداية الناس؛ لأنه لما كان جاهداً في دعوة القوم، شديد الحرص على هدايتهم، صار في حكم من يظن أنه يملك مع صفة الإنذار صفة الهداية، فجرى الأسلوب كما يجري في خطاب الشك فقيل: "إن أنت إلا نذير" ().

وقد يرد العدول في النفي متمثلاً في المخالفة بين (لم) و (ما)، وعلماء النحو يذكرون أن (لم) تدخل على المضارع فتقلب زمانه إلى الماضي، و (ما) تنفي الفعل الماضي، فتقول: (لم أذهب) و (ما ذهبت) فيفيدان الدلالة على المضي.

ولكن هل النفي بـ (لم) و (ما) يتماثلان، فيكون النفي في (لم أذهب) هو معنى النفي (ما ذهبت)؟ وأن جملة (لم أذهب) هي في المعنى (ما ذهبت) لتحول الفعل المضارع إلى الماضي مع (لم)، أم أن هناك فرقاً دلالياً بينهما؟

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير