وبناء شخصية أمة محمد ? وتكوينها في أربعين باباً. وهذا احصاءاً وحصراً.
وإذا علمنا أن سورة البقرة امتد نزولها عشر سنوات مدة الفترة المدنية في نزول الوحي، إذ إن الآيتين الكريمتين في قوله تعالى (? يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفرٌ به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون، إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم) ?218،217.
نزلتا في سرية عبد الله بن جحش إلى بطن نخلة لرصد قافلة قريش وكان ذلك في السنة الأولى للهجرة النبوية. وأشكل عليهم يوم آخر رجب مع أول شعبان، وهم يرون القافلة تمر بهم فإن تركوهم هذا اليوم دخلت القافلة أرض الحرم، فلا يستطيعون قتالهم فيه، وإن قاتلوهم في هذا اليوم هناك شبهة قتالهم في الشهر الحرام. ثم أقدموا على قتالهم فعيّرت قريش المسلمين أنهم استباحوا الشهر الحرام.
ولم يكن قد نزل شيء في ذلك، فعاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل السرية وقال ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام، حتى نزل عذرهم في الآيتين السابقتين وفيهما الرد على مشركي قريش.
هذه الحادثة كما قلت كانت في السنة الأولى للهجرة.
ومن المعلوم أيضاً أن آخر آية نزلت من القرآن على الإطلاق قوله تعالى ? (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون ?) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعوها بعد الآية (280) من السورة التي تذكر فيها البقرة. وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدها ببضع ليال قيل ثلاث وقيل سبع وقيل ثمان ليالٍ.
إذا أدركنا هذا الامتداد لنزول سورة البقرة وهي تكوّن شخصية هذه الأمة التي أسندت إليها القوامة على دين الله بعد أن سلبت من بني إسرائيل.
أدركنا جانباً من سر ختم سورة البقرة بهذه الآيات الثلاث وفيها الشهادة لهذه الأمة بأنها الأمة التي حققت في نفسها مقومات القوامة وشهدت بأنها الأمة المرحومة التي استسلمت لأوامر ربها، فرفع الله الإصر والأغلال عنها مما كان مفروضاً على الأمم السابقة واقرءوا معي هذه الشهادة الربانية أيها السادة: (? لله ما في السماوات وما في والأرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ?).
أيها السادة والسيدات:
أرجو أن أكون قد تمكنت من رسم المخطط العام لهذه السورة العظيمة سورة البقرة ذروة سنام القرآن، وفسطاط القرآن.
وأرجو أن أكون وفقت في إبراز المناسبة بين اسمها وبين محورها.
وأنا أتساءل الآن: هل أستطيع أن أقول:
إن محور سورة البقرة:
القوامة على دين الله. عزل وتعيين
عزل بني إسرائيل عن القوامة بعد أن بينت مبررات العزل وهي أربعون مأخذاً.
وعينت أمة محمد صلى الله عليه وسلم في منصب القوامة بعد أن ربيت لمدة عشر سنوات، ومن خلال تشريعات بلغت أربعين باباً من أبواب الفقه والأحكام الشرعية.
ثم كانت الشهادة الربانية لها بالفلاح والاستقامة والرحمة والنصر والتمكين.
أيها الأخوة كان هذا أنموذجاً لتفسير سورة تفسيراً موضوعياً ولكل نوع من الأنواع الأخرى منهجه في البحث لا يتسع المقام لعرضها الآن.
وأعود لأقول إن كتاب الله لا تنتهي أسراره وعجائبه وكلما تدبره الدارس من خلال تحديد زاوية معينة تتفتح أمامه مجالات لا تخطر له على بال.
فعليكم أيها الأخوة بكتاب الله، مائدة الله على الأرض حبل الله المتين أوله بين أيديكم وآخره في الجنة.
وأصلي وأسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[15 Jun 2007, 02:35 م]ـ
موضوع شيق جزاك الله خيراً فضيلة الدكتور ...
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[05 Sep 2010, 10:32 ص]ـ
هذا موضوع قيم جدًا بارك الله بالدكتور مصطفى على ما أتحفنا به وأسال الله تعالى أن يبارك له في علمه ويزيده من فضله.
ـ[هاني درغام]ــــــــ[05 Sep 2010, 05:08 م]ـ
جزاكم الله خيرا كثيرا دكتورنا الفاضل وبارك الله لكم في علمكم وأوقاتكم