تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ورد عليهم الأصوليون بأن الفاعل بالطبع لا يتمادى زمنُ فعله، ولا يتخصص بعد وجود فاعله ببعض الأزمنة والأمكنة دون بعض.

وأفعال الله - تعالى - تتمادى، ويتأخر بعضها عن بعض، ويختص ببعض ظروف الزمان والمكان دون بعض.

وما ذاك إلا لصدوره عن قدرة واختيار، لا عن طبع وإيجاب.

وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله: وفي الكون تخصيص كثير ... البيت.

فإن وجود زيد - مثلاً - اليوم دون أمس وغدٍ، أو غداً دون أمس واليوم، أو أمس دون اليوم وغدٍ، وموتُه في مكة دون بغداد أو في مصر دون مكة - دليلٌ على أن مُخصِّصاً ذا إرادة تامة خَصَّص هذه الأحداثَ ببعض هذه الظروف دون بعض، ولعل في قوله - تعالى -: [وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ] (لقمان: 34) إشارة إلى هذا الدليل.

وإذا ثبت أن الموجودات واقعة بإرادة الله - تعالى - فالأفعال من طاعة ومعصية منها؛ فهي - إذاً - واقعة بإرادة الله - تعالى - فقول القائل: معصيتي خَلْقي لا خلق الله خطأ والله أعلم.

المذهب الثاني: قول القائلين بأن واجب الوجود واحد، الواحد لا يصدر عنه إلا واحد؛ لأنه لو صدر عنه أكثر من واحد لكان من حين صدور هذا عنه مغايراً لنفسه من حيث صدورُ الآخر عنه، والمغايرة تقتضي التعدد، والتكثُّر؛ فيلزم أن يكون واحداً كثيراً، وهو محال.

قالوا: فوجب القول بأن الصادر عنه واحد، وهو الفلك الذي دونه، وعن ذلك الفلك ما دونه إلى أن انتهى التدريج إلى فلك القمر، وهو الذي يلي العالم السفلي، وهو عالم الكون، والفساد؛ فأثَّر فلك القمر في العناصر الأربعة: النار، والهواء، والماء، والأرض، ثم دبَّرت هذه العناصر ما تركَّب منها، وهو هذا العالم.

وهذا ونحوه تقرير مذهب الحكماء - يعني الفلاسفة - على ما ذكره بعضهم.

وهو فاسد؛ لأنه يوجب أن لا يوجد شيئان إلا وأحدهما علة للآخر).

إلى أن قال -رحمه الله-: (وإلى هذا أشار الشيخ - يعني ابن تيمية - بقوله:

وإصداره عن واحد بعد واحد ...

وأجاب عنه بأنه رمية حَيْرة، أي أنه دعوى لا برهان عليها، وإنما هو رأي صدر عن عقولٍ حارَتْ، وعن طريق الحق جارَتْ، وما لا برهان عليه لا يسمع).

ثم انتقل بعد ذلك إلى المذهب الثالث فقال:

(المذهب الثالث: مذهب القائلين بالتجويز، وهم القدرية، الذين يقولون: لو عذبنا الله على خلقه فينا لكان جائزاً، وإنما يعذبنا على ما نخلقه نحن.

وأجاب عنه - يعني ابن تيمية - بما أجاب عن الذي قبله من أنه رمية حيرة، والتقريرُ التقريرُ.

وقوله: (أو القول) أي والقول؛ فهي - يعني أو - بمعنى الواو، وليست لأحد الشيئين، والله أعلم) [6].

[1] انظر التدمرية ص211.

[2] السمندل: يقال: إنه دابة دون الثعلب يكثر في الهند، ويتلذذ بالنار، ومكثه فيها.

وزعم آخرون أنه طائر ببلاد الهند يُفَرِّخ في النار، ويدخلها، ولا يحترق ريشه. انظر حياة الحيوان للدميري 1/ 573 - 574، والحيوان للجاحظ 2/ 11 و 5/ 309، و 6/ 434.

[3] الياقوت: قال القزويني في كتابه (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) ص212: (حجر صلب شديد اليبس رزين شفاف صافٍ مختلف الألوان، ذكروا أنه لا تذوبه النار؛ لقلة دهنيته، ولا يتفتت؛ لغلظ رطوبته، بل يزداد لونه حسناً).

[4] التدمرية ص211 - 212.

[5] مجموع الفتاوى 8/ 247 - 248.

[6] انظر شرح جواب ابن تيمية للطوفي ص24 - 26، وانظر القصيدة التائية في القدر لابن تيمية شرح وتحقيق الكاتب ص128 - 129.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير