تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من لطائفِ الاحتراسِ في القرآنِ الكريم ..

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[17 - 09 - 2008, 10:32 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الاحتراس بمفهومه العام عند البلاغيين هو:

أن يتكلم المتكلم بكلام يوهم غيرَ المراد، أو قد يُفهم منه غيرُ المراد، فيسرع إلى الإتيان بلفظ معترض؛ ليخرج الظن، أوالشك، أوسوء الفهم، أو نحو ذلك.

ومن ألطف مواقعه في القرآن الكريم قوله تعالى مخاطبًا نبيه - صلى الله عليه وسلم -:

" وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين " (القصص / 44).

وقال تعالى في الإخبار عن موسى - عليه السلام -: " وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا " (مريم / 52).

جاء التعبير عن المكان الذي كلم الله منه موسى – عليه السلام – بقوله: (بجانب الغربي) عند مخاطبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولم يرد التعبير كما ورد في حق موسى – عليه السلام – (من جانب الطور الأيمن)، فما السر في ذلك؟

الجواب:

لما نفى الله – تعالى – عن رسوله وحبيبه – صلى الله عليه وسلم – كونَه بالمكان الذي قضى لكليمه الأمرَ، عرّف المكان بالجانب الغربي، ولم يصفه باليمين؛ لإرادة اللطف مع النبي الكريم أن ينفيَ عنه كونه بالجانب الأيمن، والتيامن أمر محبوب عند العرب وفي الإسلام، ولذا جرى التعبير على ما جرى عليه، مع الأخذ بالإشارة: أن سيناء تقع غرب مكة.

في حين جرى وصف المكان باليمين في حق كليمه - عليه السلام -؛ تشريفًا له.

وهذا من باب الاحتراس اللطيف في القرآن الكريم.

والله – تعالى – أعلم.

* من كتابي: بديع القرآن (94)، وتحرير التحبير (2/ 247) لابن أبي الإصبع، بتصرف.

ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 02:55 ص]ـ

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... موضوع قيم كموضوعاتك دائمًا ما شاء الله!

الاحتراس والتتميم و (حشو اللوزنيج) أكلها استدراكات كقوله:

فسقى ديارك - غير مفسدها - * صوب الربيع وديمة تهمي؟

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 03:31 ص]ـ

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... موضوع قيم كموضوعاتك دائمًا ما شاء الله!

الاحتراس والتتميم و (حشو اللوزنيج) أكلها استدراكات كقوله:

فسقى ديارك - غير مفسدها - * صوب الربيع وديمة تهمي؟

الأستاذ الفاضل عبدالعزيز العمار:

أشكرك على هذه الإطلالة التي آنستني ..

فيما يتعلق بشاهدك، فإنه من أشهر شواهد هذا الفن (الاحتراس)؛ ووجهه في البيت:

أنه جيء بـ (غير مفسدها) احتراسًا من توهم أن تظل الأمطار على ديار المحبوبة فتفسدها.

وفيما يتعلق بسؤاك الكريم، فإني أحب أن ألفت إلى أن القدماء قد تداخلت عندهم بعض المصطلحات البديعية؛ فالاحتراس عند ابن أبي الإصبع، هو التتميم عند ابن رشيق، وهو التحرّز مما يوجب الطعن عند ابن سنان ... إلخ.

ويفرق ابن أبي الإصبع بين الاحتراس والتتميم.

وقد استقر مفهومه - الذي أثبته - لدى جمهور البلاغيين في عصرنا، فيسمونه احتراسًا، ويسمونه تتميمًا، وبعضهم يسميه اعتراضًا، وسأقرأ - بإذن الله - لأرى إن كان يسمى حشوًا أيضًا.

تحيتي وتقديري ..

ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 04:10 ص]ـ

ما شاء الله تبارك الله!

ـ[المضري]ــــــــ[18 - 09 - 2008, 10:44 م]ـ

السلام عليك ورحمة الله وبركاته

الأخت ندى شكر الله لك هذا الطرح حيال مقصد بلاغي غاية في الدقة والرقة ومضي الجانب وملامسة الشغاف.

نشاء على عين الأدباء فأسماه الجاحظ (إصابة المقدار) , وترعرع في كنف النقاد وأسماه قدامة والحاتمي التتميم وبن سنان الاحتراز, وأقتحم ميدان البديع فأسماه ابن معطي التكميل وابن منقذ الاحتراس وبلغ تحت مسمى بن منقذ الذروة عند البلاغيين , ونال المكانة فعده الزركشي من علوم القران.

,

الغريب العجيب أن البديعيين قاتلوا من أجل أن يكون من محسناتهم البديعية , والبلاغيين لا يرتضون له غير علم المعاني لما له في ذلك من بليغ الأثر وعظيم الصور.

يتقاطع مع الجملة الاعتراضية والتتميم في إتيانه في وسط الكلام ,ويتقاطع مع الإيغال والتذييل في إتيانه في نهاية الكلام , وينطلق بعيدا عن أولئك وألئك في فتحه لباب النكت البلاغية على مصراعيه.

أدب قراني وبلاغة نبوية ورقي اجتماعي , فلو قلت لأحد: ((أعطني _إذا سمحت _ القلم)) , فإنك تخلص الكلام _بهذه الجملة الاحترازية (إذا سمحت) _ من الأمر إلى الالتماس احترسا واحتراما لنفسك ولمن تخاطب.

يقول جرير في بيت يوضح ما يحمله الاحتراس من معاني أخلاقية:

يعود الفضل منك على قريش ... وتحمل عنهم الكرب الشدادا

وقد هذبت وحشهم برفق ... وتعي الناس وحشك أن تصادا

هذه الأبيات في مدح عمر بن عبد العزيز , لذلك قال جرير: هذبت وحشهم برفق, والاحتراس هنا في كلمة (برفق) لأن ليس من عادة العربي أن يرغم أبناء عمومته, ولو أن جريرا قال هذبت وحشهم وسكت لسقط في مأخذ شعري ناهيك عن ما يمكن أن يجره عليه من غضبة قرشية تأبى أن تهذب إرغاما وعنوة , فجاء بكلمة برفق دفعا لذلك ونزولا تحت رغبة خلق عربي يدعو لإرغام الأعداء والصبر والبذل للأقرباء.

,

الكلام يطول حيال هذا المقصد فعذرا على هذا المرور العابر وتقديري للأخت الكريمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير