تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من مشكاة النبوة]

ـ[مهاجر]ــــــــ[21 - 12 - 2008, 08:53 ص]ـ

قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ)

من: اسم شرط يفيد العموم بوضعه، فالوعيد عام في حق من اقتطع حق امرئ مسلم، ولا يرد على ذلك أن مرتكب الكبيرة تحت المشيئة إن مات على التوحيد مصرا على كبيرته، لأن النص في هذا الموضع على الوعيد لا على نفاذه، فالوعيد عام في حق كل من ارتكب هذا الفعل، ونفاذه خاص بمن شاء الله، عز وجل، نفاذه في حقه عدلا، بخلاف من تجاوز عنه فضلا، فالكريم إذا أوعد جاز في حقه إخلاف الوعيد فضلا منه ونعمة.

اقتطع: الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى، فصيغة: "افتعل" تدل على التعمد والإصرار والسعي في اكتساب ذلك الفعل باجتهاد ومبالغة، بخلاف: "قطع"، كما في: "اكتسب" و "كسب".

حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ: وصف المسلم لا مفهوم له على الراجح من أقوال أهل العلم، على خلاف في ذلك، إذ مال الذمي المعاهد والمستأمن محترم بخلاف الحربي الذي جاهر بعداوة الإسلام وأهله، تماما كما قيل في حديث: (لَا يَخْطُبُ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)، فوصف الأخوة هنا أيضا: طردي لا مفهوم له إذ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له. فتحرم الخطبة على خطبة المعاهد والمستأمن.

بِيَمِينِهِ: قيد غير معتبر، أيضا، وإنما سيق مساق الغالب، فاليمين مظنة البطش والقوة، فلو اقتطعه بيساره أو بأي جارحة من جوارحه شمله الوعيد، تماما كما في قوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)، وكسب الذنوب قد يقع بجوارح غير اليد.

وفي تقديم المسند إليه: "من" في هذا السياق نوع تشويق، فضلا عن إجمال الموصول الذي بينته جملة الصلة: "اقتطع"، ففي الإجمال ثم البيان شحذ لذهن السامع الذي يتلقى اللفظ المجمل فتتحرك نفسه شوقا إلى بيانه.

حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ لَهُ النَّارَ:

مقابلة بين جملة: "حرم"، و "أوجب"، وقد يقال، أيضا، بالطباق بينهما، من جهة اللفظ لا التركيب، وبالطباق بين: "النار" و "الجنة"، وفي عطف إيجاب النار على تحريم الجنة، وهو عطف متلازمين، زيادة في النكاية بالإطناب في تفصيل الوعيد، فذلك مما يزيد المتوعد مساءة، ويزيد غيره حذرا من ذلك الوعيد.

و "أل" في "الجنة": عهدية، تشير إلى جنة بعينها، وهي الجنة التي أعدت لمن لم يقترف تلك المعصية، فليست جنسية تفيد العموم، وإلا لزم من ذلك، صحة مذهب الخوارج الذين حكموا بخلود مرتكب الكبيرة في النار.

وكذلك "أل" في النار فهي، أيضا، عهدية، تشير إلى نار بعينها، هي النار التي أعدت لمقترف تلك المعصية خصوصا.

وقد يكون تحريم الجنة بمعنى التأخر، فيحجب عنها العصاة حينا، ثم يؤذن لهم في دخولها بعد الشفاعة، أو بعد تطهيرهم في النار التي أعدت لعصاة الموحدين، وكذلك الحال في إيجاب النار، فإنه لا يلزم من دخولها: الخلود فيها، بل يدخلها بعض العصاة ثم يخرجون منها إذا طهروا، أو إذا أذن الله، عز وجل، في الشفاعة، أو إذا شفع الشافعون وبقيت شفاعة الملك، تبارك وتعالى، كما دلت على ذلك النصوص الواردة في ذلك الشأن.

قَالُوا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ:

في الكلام إيجاز بالحذف دل عليه السياق، فتقدير الكلام: وإن كان المقتطع شيئا يسيرا عوقب مقتطعه تلك العقوبة الشديدة، فحذف جواب الشرط استنادا إلى ما تقدم، فضلا عن كون السائل متلهفا إلى معرفة الجواب، فحسن أن يوجز مسألته انتقالا غلى محط الفائدة مباشرة.

و: "شيئا": موطئ لما بعده فليست المسألة عن الشيء، فإنه قد يكون عظيما، وقد يكون حقيرا، وإنما المسألة عن الشيء اليسير بعينه، فذلك مما لا يؤبه له عادة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير