تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

معَ التشبيهِ الضِّمْنيّ ..

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 12:00 م]ـ

:::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

حينما يُلف التشبيه في غلالة من غموض شفيف، فلا يوضع المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه الصريح المعروف، وإنما يُلمح من السياق، ويفهم من المعنى ... عندها يسمى هذا اللون من التعبير المفتن باسم التشبيه الضمني.

والتشبيه الضمني يمتاز عن التشبيه الصريح بأنه يجعل المتلقي يلهث وراء المعنى، حتى إذا ظفر به، وجد لذة في إدراك ما لم يقدَّم إليه مباشرًا مسطحًا.

إنه من أمارات الشاعر الموهوب!

حينما تنفعل نفسه، وتجيش مشاعره، حتى إذا تبلور المعنى في نفسه، فإنه يسكبه في نسق تعبيري لا ينم عن التشبيه، بل يبدو ستارًا عليه، ولا ينجح المتلقي في تجلية ملامحه من نظرة مسطحة، أو رؤية عابرة، بل يحتاج إلى إجالة فكر، وترديد نظر.

عندئذ تزدهي أمام ناظريه صورة جديدة لم يألفها، وتخصب ذائقته بلون من التعبير أضفت عليه هذه الخصوصية ألقًا، وعلى الصورة أناقة.

قد يحلق الخيال بالشعر، ويسمو إلى آفاق تبدو غير مألوفة لأول وهلة، فيجد الشاعر نفسه بحاجة إلى احتواء هذا الاستغراب، وفي هذا الاحتواء إغراء للمتلقي؛ إذ يجد أن الشاعر حلق به في أفق خاص، محبب ... صيّر الغريب إلى الإلف، والمستحيل إلى الإمكان!

ومما جاء التعبير فيه في طي العبارة، غير سافر الوجه بيت ابن الرومي في غزليته الرقيقة هذه:

ويلاه إن نظرتْ وإن هي أعرضتْ ** وقعُ السهامِ ونزعهنَّ أليمُ!

إن الشاعر هنا يتلمظ في الحالتين!

فهو يشتد ألمه إن نظرت إليه المحبوبة، ويشتد – كذلك – إن هي أعرضت عنه!

ويزجي تلك التباريح بما يخفف عنه جواه؛ تارة بقوله: ويلاه، وتارة باستشعاره تساؤلا تمليه غرابة الشعور بالألم في الحالتين: كيف يشتد الألم من النظر؟ وكيف يشتد من الإعراض؟

فيسوق لنا الجواب: إن وقع السهام شديد الإيلام، ونزعها كذلك!

ذاك هو المعنى من البيت ...

غير أن النظر الفاحص في أطواء هذا المعنى، يملي على الفكر التريّث؛ لتبيّن القالب الذي صب فيه المعنى؛ ففي البيت تشبيه يستشف من العبارة؛ فهو يشبه حاله عند إقبال المحبوبة عليه وإعراضها عنه بحال من تقع السهام بجسمه، ثم تنزع عنه!

وفي صياغة التشبيه على هذا النحو سترٌ له، ومخاتلة عن وجوده؛ ليكون في إدراكه بعد الجهد في اكتشافه لذة ونشوة، وفيه - إلى جانب ذلك – إيناسٌ: يرد المستغربَ مألوفًا، والمستوحشَ مأنوسًا.

والله - تعالى - أعلم.

ـ[باتل]ــــــــ[27 - 12 - 2008, 10:26 م]ـ

أستاذة ندى شعرت كأني أقرأ مقطوعة أدبية لا درس بلاغي جزاك الله خيرا على هذا الاختيار الرائع للكلمات.

رجاء طرح أمثلة أخرى وتركها لنعمل فيها عقولنا.

ـ[السراج]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 07:55 ص]ـ

كما سطّر - باتل - من ملاحظة على إبداعك (ندى الرميح)، فما سقته في هذا الموضوع يستحق أن يكون مقطوعة بليغة فعلاً ..

وحُقّ لمن يقرأ هذه الكلمات أن يعي وأن يدرك مدى بلاغة اللغة الجميلة في تنوّع التشبيه، وهذا التنوّع دلالة واضحة على مخاطبة هذه اللغة لكل الفئات القارئة من الناس وتدرّج الفهم والفكر لدىيهم ..

وما التشبيه الضمني إلا نموذج - كما أبدعت - على سكب وإدخال لون من الضباب والسمة اللونية على التشبيه لإضافة الحسن وإعمال الفكر في معالجته وكشف منتهاه.

هذا البيت الذي استشهدت به من أكثر الأبيات التي شدتني - في التعليم - حينما كنت أسوق الأمثلة في درس التشبيه الضمني؛ فكنت أرى أن هذا الشاعر حاك البيت نسيجا رائعا متكاملاً، حتى حركة الضمائر أضفت عليه لونا بديعا مقصودا وجرسا موسيقيا إضافة لتكامل البيت في قالب عروضي واحد.

ومن بديع التشبيه الضمني:

قول أبي العتاهية:

ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها ** إن السفينة لا تمشي على اليبس

وقول أبي تمام:

لا تنكري عطل الكريم من الغنى ** فالسيل حربٌ للمكان العالي

شكرا لك - ندى الرميح

ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[30 - 12 - 2008, 02:49 م]ـ

صدقت أستاذتنا التشبيه الضمني والكناية البعيدة أهم إمارات الشاعر الموهوب

ومن جميل التشبيهات الضمنية:

قال أحمد "وكان المعري يسمي كل شاعر باسمه أما إذا تحدث عن المتنبي قال: يقول الشاعر"

إذا قال أحمد:

من يهن يسهل الهوان عليه =ما لجرح بميت إيلام

وقال أيضا:

وما أنا منهم بالعيش فيهم = ولكن معدن الذهب الرغام

ويقول أبو تمام الطائي:

نقل فؤادك حيث شئت من الهوى =ما الحب إلا للحبيب الأول

وكم منزل في الأرض يألفه الفتى= وحنينه أبدا لأول منزل

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[31 - 12 - 2008, 12:06 ص]ـ

الأساتذة الأفاضل:

باتل، السراج، بحر الرمل:

أشكر حضوركم، ومداخلاتكم القيمة، ويطيب لنا - أخي باتلا - أن تسفر عن حسن التشبيه فيما وضعه الإخوة الكرام من انتقاءات تنم عن ذائقة سليمة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير