تالله تفْتأ تذكُرُ يُوسفَ ...
ـ[أنوار]ــــــــ[22 - 09 - 2008, 11:33 ص]ـ
قال تعالى، في حكاية قول أخوة يوسف لأبيهم: (تالله تفْتأُ تذْكُرُ يوسفَ حتى تكون حرضاً) .. يوسف (85).
والأصل .. لا تفتأ تذكُرُ يوسفَ حتى تفنى وتبلى، والحرض هو ما لا يعتدُّ به،
قال ابن أبي الأصبع: إنه سبحانه أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنسبة إلى أخواتها، فإن (والله وبالله) أكثر استعمالاً و أعرف عند العامة من تالله؛ لما كان الفعل الذي جاور القسم أغرب الصيغ التي في بابه، فإنّ كان وأخواتها أكثر استعمالا من تفْتأ وأعرف عند العامة، ولذلك أتى بعدها بأغرب ألفاظ الهلاك وهي لفظ الحَرَض ..
وهذا السياق الذي تتزاحم فيه الكلمات الغريبة مشيعة جو الغرابة والوحشة مناسب لمقصودهم الذي يريدون حمل أبيهم عليه .. فهم يريدون أن ينسى يعقوب عليه السلام ولده، وليس في الغرائب أغربُ من هذا، وحَذْف حرف النفي وهو خلاف الأصل يأتي متلائماً مع هذا السياق الغريب ويرمز في خفاء إلى حاجتهم، وهي نسيان يوسف وإبعاده من قلب أبيهم الذي ضاق بهم وتولى عنهم من أجل يوسف.
و من طبْعِ اللغة أن تسقط من الألفاظ ما يدل عليه غيره .. أو ما يرشد إليه سياق الكلام أو دلالة الحال .. وأصل بلاغتها في هذه .. الوجازة التي تعتمد على ذكاء القارئ والسامع .. وتعول على إثارة حسه، وبعث خياله وتنشيط نفسه .. حتى يُفهم بالقرينة ويُدرك باللمحة ويُفطن إلى معاني الألفاظ التي طواها التعبير .. وللحديث بقية في باب الحذف بإذنه تعالى ..
*******************
الحَرَض – في لسان العرب هو الذي أذابه الحزن. وهذه الكلمة لم تذكر في كتاب الله الكريم إلا في هذا الموطن.
خصائص التراكيب ....... محمد أبو موسى.
ـ[طارق يسن الطاهر]ــــــــ[22 - 09 - 2008, 02:25 م]ـ
جزاكِ الله خيرا على هذا الانتقاء
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 09 - 2008, 10:35 ص]ـ
كل الشكر للأستاذين الكريمين على طيب المرور ............
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[23 - 09 - 2008, 12:57 م]ـ
بارك الله فيك أخيتي ..
وهذا من باب ائتلاف اللفظ مع المعنى.
ـ[أنوار]ــــــــ[23 - 09 - 2008, 04:50 م]ـ
جوزيتي خيراً ... أستاذتنا الفاضلة على المرور .....
ـ[أبو عمار الكوفى]ــــــــ[23 - 09 - 2008, 06:09 م]ـ
بارك الله فيكِ
أيضًا استخدام الفعل {تذكر} وليس: تتذكر، يوحي بدوام ذكر يعقوب عليه السلام لابنه، وهو بالنسبة لإخوته أمر غريب.
والله اعلم
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 02:45 م]ـ
كل الشكر للأستاذ الفاضل أبوعمار ...
وجوزيت خيراً على ما أفدتنا به.
ـ[زينب هداية]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 02:49 م]ـ
ما شاء الله، كلّما قرأت سورة يوسف؛ شدّتني معانيها و أثّرت بي بالغ التّأثير.
((إنّا أنزلناه قرآنا عربيّا لعلّكم تعقلون))
ـ[أنوار]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 02:51 م]ـ
نستكمل بإذنه تعالى بعض ما جاء في الحذف ..
يقول الله تعالى في سورة الفجر: (الليل إذا يسرِ) .. (4)
فحذف حرف العلة في (يسرِ) فدلت الكسرة التي تحت الراء على الياء المحذوفة .. يقول الأخفش: " عادة العرب أنها إذا عدلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه .. والليل لما كان لا يسري وإنما يُسرى فيه نقص منه حرف ".
و يقول الدكتور أبو موسى " ما ذكره الأخفش لا يُعد قاعدة .. وإنما هو تصرف قد يكون منهم في مثل هذا .. وكم من كلمات عدل بها القوم عن معناها .. وبقيت في لسانهم كما كانت قبل أن يعدل بها.
ومن لطائف كلام العرب في ذلك قول الحارث الجَرْمي يخاطب زوجه .. وكانت تحثه على أخذ ثأر أخيه من قومه، فقال في أبيات جاشية حزينة:
قومي هُمُ قتلوا أميمَ أخي .................... فإذا رميتُ يصيبني سهمي.
وأراد (يا أميمة) فحذف حرف النداء، كما حذف آخر الكلمة للترخيم ,, وذلك لأن الشاعر ممزق النفس موجوع القلب ضيق الصدر بهذه الجريمة البشعة، التي صيرته إلى هذا الموقف المتناقض الضيق، فقومه قتلة أخيه، وحين يرميهم فإنه يرمي نفسه.
- ويقول تعالى في سورة الكهف: (فما اسطاعوا أنْ يظهروه وما استطاعوا له نقبا) .. (97).
هذه الآية قالها ربنا في السد الذي صنعه ذو القرنين من قطع الحديد والنحاس المذاب ... فقال: (فما اسطاعوا أنْ يظهروه) أي .. يصعدوا عليه، فحذف التاء، والأصل: (استطاعوا) وذلك أنه لما كان صعود السد الذي هو سبيكة من قطع الحديد والنحاس أيسر من نقبه وأخف عملاً، خفف الفعل للعمل الخفيف.
ثم قال: (وما استطاعوا له نقبا) بإبقاء التاء لمناسبة النقب إذ هو أثقل من العمل الأول.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 02:54 م]ـ
نعم صدقت مريم ....
أحسنت على هذا الشرح الرائع ولكن أليس الأصل ما تفتئ لأن زال وانفك وفتئ من الأفعال الناقصة تلزمها ما النافية ...
ـ[أنوار]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 03:34 ص]ـ
يسعدني مرورك أخت مريم .......
أشكر مروركم الكريم أستاذ بحر الرمل ...
بالنسبة لما تفضلتم به صحيح .. ولكن الأفعال الناقصة يلزمها تقدم النفي سواء كان - ما أو لا -
¥