من قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى ..... )
ـ[مهاجر]ــــــــ[16 - 11 - 2008, 08:18 ص]ـ
من قوله تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ)
يا موسى: نداء للبعيد إما تعظيما لشأنه فقد كان عليه الصلاة والسلام مرهوب الجانب من قبل بني إسرائيل، وإما تذمرا من حالهم فيكون النداء للبعيد مئنة من تضجرهم وتكالبهم على شهواتهم، فهم يرفعون عقيرتهم على نبيهم سوء أدب وطلبا لخشاش الأرض الذي يشترك في تحصيله الآدمي والبهيم الأعجمي.
لن نصبر: نفي مشعر بنفاد صبرهم في المستقبل القريب، وهذا مما يرجح الاحتمال الثاني في النداء فهو نداء المتضجر لا المعظم الموقر.
فادع لنا ربك: سوء أدب في طلب الدعاء، مع كونهم قصروا ربوبية الله، عز وجل، على موسى عليه الصلاة والسلام، ولو أحسنوا الطلب لعمموا ربوبية الله، عز وجل، لتشملهم، فمقام الداعي مقام تذلل وخضوع وإنما يظهر ذلك بإظهار فقر وذل العبودية في مقابل: غنى وعز الربوبية.
يخرج: مجزوم في جواب طلب مقدر، ففي الكلام: "إيجاز بالحذف"، فتقدير الكلام: ادعه وقل له: أخرج يخرج، وفي ذلك الحذف مزيد بيان لشدة تكالبهم على خشاش الأرض، إذ تخطوا الشرط إلى محط الفائدة مباشرة، لأن فيها بغيتهم مع خستها ودنوها، فهي من جنس هممهم الدنية.
مما تنبت الأرض: عموم.
من بقلها: خصوص، بعد عموم، فهي بدل من "مما تنبت"، والبدل هو المقصود أصالة بالحكم فقام المبدل منه مقام الموطئ الممهد للبدل، فكأن طرقه الآذان ابتداء استرعى انتباه السامع ابتداء، فإذا ما انتبه طرق سمعه البدل محط الفائدة انتهاء فصار أوضح في البيان وأوقع في النفس.
و "من": جنسية تبين جنس مطلوبهم.
قال أتستبدلون: استفهام إنكاري توبيخي، إذ مراده توبيخهم على هذه المطالب الدنية لا إبطالها، فإنها من المباحات، ولا يملك أحد تحريم ما أحل الله، وإن كان في نفسه دَنَياً تعافه النفوس كالبصل والثوم.
الذي هو أدنى: التعريف بالموصول فيه البيان بعد الإجمال وذلك مما تستجلب به الأسماع إذ النفس تتشوف إلى البيان بعد الغموض والإبهام.
بالذي هو خير: الباء تدخل في المبادلات على الثمن المدفوع فقد اشتروا الخسيس بالنفيس.
اهبطوا مصرا: أمر فيه معنى التعجيز إذ كانوا في التيه وهبوطهم مصرا بعينه آنذاك: أمر محال، وهذا اختيار أبي عبد الله القرطبي، رحمه الله، في تفسيره، وقد يقال بأنه للإهانة، وتنكير "مصرا" للتحقير فإن ما أردتموه موجود في أي مصر فلا اختصاص لمصر به لكونه مما لا تحفل به النفوس لتحرص على استزراعه أو استحصاده.
فإن لكم ما سألتم: تقديم الجار والمجرور مشعر بالاختصاص، فكأن ذلك الخشاش الدني مختص بنفوسهم الدنية فهما في المنزلة سواء، و: الطيور على أشكالها تقع!!!، ولم يعد ذكر مطلوبهم وإنما أجمل ذكره في "ما" الموصولة لعدم الاحتفاء بشأنه فليس مما تحرص الألسنة على جريانه عليها تأسيسا أو توكيدا بالإعادة.
وضربت عليهم الذلة والمسكنة: حذف الفاعل للعلم به، وقدم الجار والمجرور إشعارا باختصاص ذلك الذل بنفوسهم الذليلة فالمشاكلة حاصلة بينهما، و "أل" في الذلة والمسكنة: جنسية استغراقية تفيد عموم ما دخلت عليه فقد ضرب عليهم الذل العام والمسكنة التامة جزاء وفاقا على صلفهم وتكبرهم وسوء أدبهم في طلب الدعاء من نبيهم.
وعطف المسكنة على الذلة: عطف لازم على ملزومه، فالاقتران بينهما حاصل، على وزان قوله تعالى: (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، فلازم إلباس الحق بالباطل: كتمان الحق.
¥