تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[استقراء موارد "من" في لغة العرب]

ـ[مهاجر]ــــــــ[02 - 02 - 2009, 08:11 ص]ـ

يقول ابن هشام، رحمه الله، وهو من أصحاب الاستقراء التام في العربية:

"من" تأتي على خمسة عشر وجها:

أحدها:

ابتداء الغاية:

وهو الغالب عليها، حتى ادعى جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه، كما أشار إلى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب" وتقع في:

الزمان: كقوله تعالى: (من أول يوم)، فالمعنى: ابتداء الغاية الزمانية من أول يوم.

وفي الحديث: (فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة)، فالمعنى: ابتداء غاية المطر من يوم الجمعة إلى يوم الجمعة التالي، وهذا قول الكوفيين والأخفش والمبرد وابن درستويه.

والمكان: كقوله تعالى: (من المسجد الحرام)، قالمعنى: أن ابتداء الغاية المكانية من المسجد الحرام.

والأشخاص: كقوله تعالى: (إنه من سليمان)، أي أنه صادر من سليمان صلى الله عليه وسلم، فهو ابتداء غايته.

وذات الله عز وجل: كما في قوله تعالى: (وروح منه): فالمعنى: أن عيسى صلى الله عليه وسلم روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، لا أنه جزء من ذات الله، عز وجل، كما قد علم من مقالة النصارى فـ: "من"، كما تقدم، قد تستخدم لغير التبعيض، فتستخدم لابتداء الغاية، كقولك: سافرت من القاهرة، أي: ابتدأت سفري من القاهرة، فلا يعقل أن يكون المعنى سافرت جزءا أو بعضا من القاهرة، وكذا في هذه الآية: (وروح منه)، أي روح من الأرواح التي ابتدأ الله، عز وجل، خلقها، وهذا وصف يصدق على كل إنسان، فالله، عز وجل، ابتدأ خلق أرواحنا جميعا، فهو الخالق المقدر، البارئ المخرج لخلقه من حيز العدم إلى حيز الوجود، المصور للكائنات بما يحصل به التمايز بينها، فصورة زيد تباين صورة عمرو، وإن تشابهتا في الأصل، فإنه لا بد من قدر فارق يتميز به كل فرد عن الآخر، وإنما خص المسيح صلى الله عليه وسلم بهذه الإضافة تشريفا، كإضافة البيت إلى ربه، والناقة إلى خالقها، فهي من إضافة المخلوق إلى خالقه، لا الصفة إلى موصوفها، فـ: "رب البيت": صاحبه، وهو مخلوق بائن من ذاته، فإضافته: إضافة مخلوق إلى خالقه، و: "رب العزة": صاحبها، وهي صفة قائمة بذاته، فإضافتها: إضافة صفة إلى موصوفها، وهذا فيصل بين مقالة أهل التوحيد ومقالة أهل التثليث في ذات المسيح عليه السلام، فجهة الإضافة عند الأولين: إضافة مخلوق إلى خالق، وجهة الإضافة عند الآخرين: إضافة صفة إلى موصوف، ودعوى أن أقنوم الكلمة الذي هو العلم قد اتحد بناسوت المسيح، عليه السلام، دعوى يحيلها العقل، إذ الصفة لا تتجسد في ذات، وإنما تقوم بها قيام صفة بذات متصفة بها، فالموصوف: ذات قامت بها صفات، فلا يتصور تجرد الذات عن الصفات في مقابل صفات قائمة بنفسها، إلا في الذهن، فإنه قد يجرد المعاني، فتصير مطلقة، فيتصور: كلمة مطلقة، وحياة مطلقة ........... إلخ، ودائرة التصور الذهني أوسع من دائرة الوجود الخارجي، فالذهن قد يتصور الممكنات أو يفرض المحالات، ولا يلزم من ذلك حصولها خارجه، يقول ابن أبي العز رحمه الله:

"وَلِهَذَا كَانَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ لَا يُطْلِقُونَ عَلَى صِفَاتِ اللَّهِ وَكَلَامِهِ أَنَّهُ " غَيْرُهُ "، وَلَا أَنَّهُ " لَيْسَ غَيْرَهُ ". لِأَنَّ إِطْلَاقَ الْإِثْبَاتِ قَدْ يُشْعِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُبَايِنٌ لَهُ، وَإِطْلَاقَ النَّفْيِ قَدْ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ هُوَ، إِذْ كَانَ لَفْظُ " الْغَيْرِ " فِيهِ إِجْمَالٌ، فَلَا يُطْلَقُ إِلَّا مَعَ الْبَيَانِ وَالتَّفْصِيلِ: فَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ هُنَاكَ ذَاتًا مُجَرَّدَةً قَائِمَةً بِنَفْسِهَا مُنْفَصِلَةً عَنِ الصِّفَاتِ الزَّائِدَةِ عَلَيْهَا - فَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ أَنَّ الصِّفَاتِ زَائِدَةٌ عَلَى الذَّاتِ الَّتِي يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَاهَا غَيْرُ مَا يُفْهَمُ مِنْ مَعْنَى الصِّفَةِ - فَهَذَا حَقٌّ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي الْخَارِجِ ذَاتٌ مُجَرَّدَةٌ عَنِ الصِّفَاتِ، بَلِ الذَّاتُ الْمَوْصُوفَةُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ الثَّابِتَةِ لَهَا لَا تَنْفَصِلُ عَنْهَا، وَإِنَّمَا يَعْرِضُ للذِّهْنُ ذَات وَصِفَة، كُلٌّ وَحْدَهُ، وَلَكِنْ لَيْسَ فِي

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير