لمسات جمالية: {اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ}
ـ[د. حجي إبراهيم الزويد]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 04:29 ص]ـ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ} - التوبة: 38
تكشف لنا هذه الآية الشريفة مشهدا حسيا لأولئك الكارهين للجهاد, حيث يُطلب منهم النهوض للجهاد, فيقابلوا ذلك النداء, بالالتصاق بالارض, والتمكن من القعود, وهذه المشهد الحسي, يكشف رفض أولئك النفر للنهوض فضلا عن السير للجهاد.
وقفتنا التأملية حول المفردة القرآنية: اثاقلتم.
نجد أن لهذه المفردة إيقاع صوتي ينسجم مع المعنى المكثف الذي تحمله, وهي بهذا تجسد مشهدا حسيا أمام الإنسان.
إن المفردة (اثاقلتم) تجسد بإيقاعها الصوتي ذلك المشهد الحسي الذي يكون فيه الجسم متراخيا ثقيلا, حيث يكون ارتباطه بالفناء المحدود قويا, وارتباطه بالخلود الدائم ضعيفا, تصرفه عن النهوض للجهاد ثقل حب البقاء, و ثقل حب الارتباط بمباهج الدنيا ولذائذها, و ثقل الركون إلى الراحة والدعة , و ثقل الخوف من منظر الدماء الخ ...
هذه المعاني وغيرها تشكل ثقلا كبيرا تصرف الإنسان عن الجهاد, لذا جاء التعبير القرآني {اثاقلتم إلى الأرض} , ليجسد أمامنا هذه المعاني بكل جمال وكل دقة, حيث يتجسد مشهد ذلك الإنسان الذي يظهر أنه ثقيل لا يستطيع النهوض, وهذا ما تفيده مفردة (اثاقلتم) , التي تفيد تكلف الثقل.
من النكت اللغوية الجميلة في هذه الآية أن (التثاقل) عدي بإلى, وهذه تفيد الميل, أي أن أولئك المتقاعسون عن الجهاد يطلبون الوصول إلى الأرض للقعود والسكون بها, مائلين إلى الدنيا ولذائذها كارهين الجهاد ومشاقه, ولذلك جاء التوبيخ الإلهي لهم في قوله تعالى:
{أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}
في اللسان, في تعقيبه حول قوله تعالى {اثاقلتم إلى الدنيا}: " وعداه بإلى لأن فيه معنى ملتم "
إضاءة بلاغية:
في قوله تعالى {اثاقلتم إلى الأرض} مجاز مرسل, للإشارة إلى البطء في الاستجابة للنداء الإلهي, ذلك لن عدم استجابة أولئك النفر, ليس عن عجز في القوى الجسمية, بل بسبب تعلقهم بالدنيا وما بها من أموال ومباهج.
فائدة لغوية:
قال صاحب المجمع:
" اثاقلتم إفاعلتم, واصله تفاعلتم, أدغمت التاء في الثاء لمناسبتها لها, ثم أدخلت ألف الوصل ليمكن الابتداء بها .. " (1)
(1) مجمع البيان للشيخ الطبرسي.
ـ[ندى الرميح]ــــــــ[25 - 09 - 2008, 05:50 ص]ـ
شكر الله لمساتك دكتور حجي ..
واسمح لي بهذه المداخلة:
يذكر ابن عطية سببًا لنزول الآية، يقول:
" هذه الآية بلا اختلاف نازلة عتابًا على تخلف من تخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ... وتخلف عنه قبائل من الناس، ورجال من المؤمنين كثير، ومنافقون، فالعتاب في هذه الآية هو للقبائل وللمؤمنين الذين كانوا بالمدينة، وخصّ الثلاثة: كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية بذلك التأنيب الشديد بحسب مكانهم من الصحبة؛ إذ هم من أهل بدر، وممن يُقتدى بهم " (المحرر الوجيز: 3/ 34).
ألا يكون التعبير في قوله تعالى: (اثاقلتم إلى الأرض) من قبيل الاستعارة التمثيلية؟
حيث مثلت حال القاعدين عن الجهاد المتطلبين للعذر، بحال من يطلب منه النهوض والحراك، فيقابل ذلك الطلب بالتثاقل، ويلتصق بالأرض رافضًا للنهوض فضلاً عن السير.