من قوله تعالى: (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[28 - 12 - 2008, 09:36 ص]ـ
من قوله تعالى: (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْرًا عَظِيمًا)
فقد استشكل بعض الأعاجم عندنا في مصر عطف "المقيمين" على "المؤمنون"، لأن الأولى منصوبة والثانية مرفوعة، والقاعدة أن العطف يوجب الاتحاد في الحكم، فإما أن تكون مرفوعة جميعا وإما أن تكون منصوبة جميعا، كما يقول ذلك الساذج، والقاعدة صحيحة، ولكنه أغفل، جهلا أو سوء طوية، أن كسر الإعراب أو "القطع"، في لغة العرب يكون لنكتة بلاغية لا يعرفها أمثاله، فالقطع أسلوب شائع في كلام العرب، وقد أشار إليه أئمة النحو في دواوينهم، فعلى سبيل المثال يقول ابن عقيل، رحمه الله، في شرحه على الألفية:
"وإن لم يكونا مفردين، بأن كانا مركبين، (أي: الاسم واللقب)، نحو: عبد الله أنف الناقة، أو مركبا ومفردا نحو: عبد الله كرز، (والكرز: هو القصير عظيم البطن والله أعلم)، وجب الإتباع، فتتبع الثاني، "أي: اللقب"، الأول، "أي: الاسم" في إعرابه، ويجوز القطع إلى الرفع أو النصب، (وهذا شاهد كلامنا)، نحو: مررت بزيد أنفُ الناقة، برفع أنف، على إضمار مبتدأ، فيكون تقدير الكلام: مررت بزيد هو أنفُ الناقة، والنصب على إضمار فعل، والتقدير: مررت بزيد أعني أنفَ الناقة، والقطع في لغة العرب لا يكون إلا إلى الرفع والنصب فلا قطع إلى الجر، فيصح أن تقول: هذا زيد أنفَ الناقة، بالقطع إلى النصب، ولا يجوز القطع إلى الجر، والله أعلم.
بتصرف من شرح ابن عقيل، رحمه الله، نسخة الشيخ محمد محيي الدين، رحمه الله، (1/ 104).
والقطع في المثال السابق للذم، ولذلك فإن الأنسب في القطع إلى النصب أن يكون العامل المقدر دالا على الذم نحو: مررت بزيد أذم، أو: أخص بالذم أنفَ الناقة.
وحذف المبتدأ عند القطع إلى الرفع من مواضع حذف المبتدأ وجوبا، وإليه أشار ابن عقيل، رحمه الله، بقوله:
"الأول، (أي: من مواضع حذف المبتدأ وجوبا): النعت المقطوع إلى الرفع: في مدح، نحو: "مررت بزيد الكريمُ" أو ذم، نحو: "مررت بزيد الخبيثُ" أو ترحم، نحو: "مررت بزيد المسكينُ" فالمبتدأ محذوف في هذه المثل ونحوها وجوبا، والتقدير: (هو الكريم، وهو الخبيث، وهو المسكين) ". اهـ
"شرح ابن عقيل"، (1/ 209).
ويقول إمام النحاة ابن هشام، رحمه الله، في "أوضح المسالك":
"ثم إن كان اللقب وما قبله مضافين، كـ: عبد الله زين العابدين، أو كان الأول مفردا والثاني مضافا كـ: كزيد زين العابدين، أو كانا العكس، كـ: عبد الله كرز، أتبعت الثاني للأول: إما بدلا، أو عطف بيان، أو قطعته عن التبعية، (وهو: شاهدنا في هذا الموضع)، إما برفعه خبرا لمبتدأ محذوف، أو بنصبه مفعولا لفعل محذوف".
بتصرف من "أوضح المسالك"، ص53.
ففي قولك: مررت بعبد الله زين العابدين، إما أن تتبع "زين"، لـ: "عبد" المجرورة، فتجرها كبدل أو عطف بيان، بدليل جواز إتيان الثانية محل الأولى دون أن يختل المعنى فتقول: مررت بزين العابدين، فـ "زين العابدين" هو "عبد الله" و "عبد الله" هو "زين العابدين".
وأما القطع: فقد سبقت الإشارة إليه في كلام ابن عقيل، رحمه الله، فالرفع بتقدير مبتدأ محذوف تقديره: هو، والنصب بتقدير فعل محذوف: أعني، والله أعلم.
وعليه يحمل قولك: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، برفع ونصب "الرجيم"، فتقدير الرفع: أعوذ بالله من الشيطان هو الرجيمُ، وتقدير النصب: أعوذ بالله من الشيطان أذم الرجيمَ، من الذم، فالفعل المقدر يجب أن يكون مناسبا للسياق، والسياق هنا سياق ذم، والله أعلم.
ومنه أيضا:
قوله تعالى: (رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ)، بقطع: "أهلَ" إلى النصب مدحا لدلالة السياق على ذلك، فيكون تقدير الكلام: أعني أهلَ البيت، أو أخص بالمدح أهلَ البيت.
¥