من قوله تعالى: (وَالصَّابِئُون)
ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 01 - 2009, 08:30 ص]ـ
ومن قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)
فمن جهة الصناعة النحوية:
يقول ابن هشام، رحمه الله، عن هذه الآية:
في هذه الآية أوجه، أرجحها وجهان:
"أحدهما: أن يكون: "الذين هادوا" مرتفعا بالابتداء، و: "الصابئون والنصارى" عطفا عليه، والخبر محذوف، والجملة في نية التأخير عما في حيز "إن" من اسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا بألسنتهم من آمن منهم، أي بقلبه، بالله إلى آخر الآية.
ثم قيل: والذين هادوا والصابئون والنصارى كذلك". اهـ
"شرح شذور الذهب"، ص84
فيكون السياق: إن الذين آمنوا، مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، ثم يستأنف الكلام بـ: والذين هادوا والنصارى والصابئون كذلك، فالخبر المحذوف هو: "كذلك"، والإشارة فيه إلى خبر "إن" المتقدم، وهذا أولى من تكراره لفظا، إذ الإشارة إلى المذكور تغني عن تكراره فالإيجاز في هذا الموضع مراد للمتكلم احترازا من التطويل الممل، وعليه تكون الواو استئنافية.
ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:
"والثاني: أن يكون الأمر على ما ذكرناه من ارتفاع: "الذين هادوا" بالابتداء، وكون ما بعده عطفا عليه، ولكن يكون الخبر المذكور له، ويكون خبر "إن" محذوفا مدلولا عليه بخبر المبتدأ، (أي: الذين هادوا)، كأنه قيل: إن الذين آمنوا من آمن منهم، ثم قيل: والذين هادوا .......... إلخ. اهـ
أي يكون السياق: الَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ، فيكون الخبر: "فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون" خاصا بالمبتدأ: "الذين هادوا"، لا: "الذين آمنوا"، كما في الوجه الأول، ومن ثم يستأنف الكلام بـ: والذين آمنوا كذلك، فيكون الخبر المحذوف: "كذلك"، خاصا بالمبتدأ الأول لا الثاني كما في الوجه الأول.
ويشهد لهذا الوجه قول الشاعر:
نحن بما عندنا وأنت بما ******* عندك راضٍ والرأْيُ مختلِفُ
أي: أنت بما عندك راض، ونحن بما عندنا راضون، فدل خبر الثاني المذكور على خبر الأول المحذوف.
ويواصل ابن هشام، رحمه الله، فيقول:
"والوجه الأول أجود، لأن الحذف من الثاني لدلالة الأول أولى من العكس.
لأن المعنى في هذه الحالة يكتمل أولا ثم يدل على المحذوف من الجملة الثانية، خلاف الوجه الثاني الذي لا يكتمل فيه المعنى الأول، إلا بدلالة الثاني عليه، والأصل أن المتقدم يدل على المتأخر لا العكس". اهـ
بتصرف من "شرح شذور الذهب"، ص84.
ونظيره، قول ضابئ بن الحارث البرجمي:
فمن يك أمسى بالمدينة رحله ******* فإني وقيار بها لغريب
أي: فإني بها لغريب وقيار كذلك، على الوجه الأول الذي يكتمل فيه معنى الجملة الأولى ومن ثم يدل خبرها على الخبر المحذوف من الجملة الثانية.
أو: قيار بها لغريب وإني لكذلك، على الوجه الثاني الذي يدل فيه المتأخر على المتقدم، وهو خلاف الأصل، كما تقدم، ويضعفه هنا أن دخول اللام على الخبر: "لغريب" دون المبتدأ: "قيار": شاذ، كما قيل في:
أم الحليس لعجوز شهربه ******* ترضى من اللحم بعظم الرقبه
و:
خالي لأنت ومن جرير خاله ******* ينل العلاء ويكرم الأخوالا
فدخلت اللام على الخبر: "لعجوز" و: "لأنت" شذوذا، أو على تقدير مبتدأ محذوف فيكون تقدير الكلام: وقيار لهو غريب، و: أم الحليس لهي عجوز، و: خالي لهو أنت، إذ لام الابتداء لا تدخل إلا على المبتدأ على تفصيل ليس هذا موضعه.
انظر غير مأمور لمزيد بيان: "شرح ابن عقيل رحمه الله"، (1/ 195).
ومنه ما أنشده ثعلب ولم يعزه إلى قائل معين:
خليلي هل طب فإني وأنتما ******* وإن لم تبوحا بالهوى دنفان
أي: فإني دنف وأنتما وإن لم تبوحا بالهوى كذلك، على الوجه الأول.
¥