[الأمر بما ظاهره أنه مما لا يطاق]
ـ[مهاجر]ــــــــ[05 - 02 - 2009, 07:41 م]ـ
من صور ذلك:
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بربه):
ففيه نهي مؤكد بـ: "نون التوكيد المثقلة"، فضلا عن العموم المستفاد من قوله: "أحدكم"، ويرد على ذلك أن ذلك مما لا يدخل تحت قدرة بشر، فليس لأحد أن ينهى الموت عن الحضور، ولذلك كانت الحال بعد: "إلا": عمدة في الكلام، على خلاف ما اطرد في لغة العرب من كون المنصوبات: فضلات يستغنى عنها، كالمفعول في: أكل فلان الكعكة، فإن المفعول فضلة يتم الكلام بدونه إلا إذا كان محط الفائدة كأن يكون السؤال عنه ابتداء فلا يستغنى عنه في الجواب انتهاء.
فالحال قيد لعاملها، فقيد ذلك بالمدوامة على إحسان الظن بالرب، جل وعلا، ولازمه من إحسان العمل.
&&&&&
ومنه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، فظاهر الآية: النهي عن الموت، وهذا أمر لا يدخل تحت طاقة البشر، فوجب صرف الآية عن ظاهرها لدلالة السياق على ذلك، فالنهي عن الموت ليس مطلقا، وإنما هو مقيد بالنهي عن الموت على غير ملة الإسلام، فجملة: (وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، جملة حالية، والحال قيد لعاملها، كما تقدم، أي: لا يأتينكم الموت إلا وأنتم على ملة الإسلام.
ولا يسمى ذلك تأويلا، كما اصطلح على ذلك المتكلمون، لأن قرينته مستفادة من نفس السياق، وتأويلات المتكلمين في مسائل الأسماء والصفات قرينتها، في الغالب، عقلية متوهمة في باب غيبي لا دور للعقل فيه أصلا إلا: التسليم والانقياد للوحي وتدبر المعنى دون الخوض في الكيفية، كما سبقت الإشارة إلى ذلك في أكثر من موضع.
&&&&&
ومنه: قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا تغضب)، فهو ليس نهيا عن ذات الغضب، فإن ذلك تكليف بما لا يطاق، لأن الأمور الوجدانية مما لا يملك الإنسان دفعه، وإنما هو نهي عن تعاطي أسبابه، أو الاسترسال مع نتائجه.
وإلى ذلك أشار النووي، رحمه الله، بقوله: "لا تغضب معناه: لا تنفذ غضبك، وليس النهي راجعا إلى نفس الغضب لأنه من طباع البشر، ولا يمكن الإنسان دفعه". اهـ
فيكون النهي من قبيل: النهي عن السبب، وإرادة النهي عن المسَبَب، وهو نتيجة الغضب.
&&&&&
ومن ذلك قول أبي طلحة، رضي الله عنه، للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يوم أحد: (لَا تُشْرِفْ لَا يُصِبْكَ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ)، فليس مراده نهي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن إصابة المشركين له، فهذا مما لا يدخل تحت طاقته، وإنما المقصود تحذيره من الإشراف لئلا تصيبه سهام القوم، فالحديث من باب إطلاق المسبَبَ: الإصابة، وإرادة السبب: الإشراف، كما يقال: الرمي علة الإصابة، والإصابة علة الموت، فصح أن يطلق على الرمي أنه سبب الموت، لأن السبب يطلق على: علة العلة، كما قرر ذلك الأصوليون.
والله أعلى وأعلم.