تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الموت والحياة]

ـ[خالد مغربي]ــــــــ[18 - 12 - 2008, 04:53 م]ـ

كثيرة هي الآيات التي تحدث عن الموت وعن الحياة .. وقد اقترنت المفردتان في الآية الثانية من سورة الملك قال تعالى:

(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ)

ولعلنا نلاحظ ذكر الموت قبل ذكر الحياة .. وقد اجتهد المفسرون في تفسير ذلك

ففي تفسير الجلالين: " (الذي خلق الموت) في الدنيا (والحياة) في الآخرة أوهما في الدنيا فالنطفة تعرض لها الحياة وهي ما به الاحساس والموت ضدها أو عدمها قولان والخلق على الثاني بمعنى التقدير (ليبلوكم) ليختبركم في الحياة (أيكم أحسن عملا) أطوع لله (وهو العزيز) في انتقامه ممن عصاه (الغفور) لمن تاب إليه "

أما في التفسير الميسر: " الذي خلق الموت والحياة؛ ليختبركم - أيها الناس-: أيكم خيرٌ عملا وأخلصه؟ وهو العزيز الذي لا يعجزه شيء, الغفور لمن تاب من عباده. وفي الآية ترغيب في فعل الطاعات, وزجر عن اقتراف المعاصي."

وما يهمنا هنا ذكر الموت وترتيبه في السياق القرآني، إذ جاء أولا، وقبل ذكر الحياة .. ولم يكن ذلك - والله أعلم - إلا لعلة بلاغية، تتقاطع مع علة إعجازية .. وأسوق هنا نقلا عن المسألة يتمثل في الآتي:

" خلق الموت قبل خلق الحياة معناه أن الأجل مقدر في داخل الخلية الحية، وأن كلا من الأمراض والأحداث العارضة، والشيخوخة، وغيرها من الأحداث الحيوية مقدر كذلك ومدون في الشيفرة الوراثية، وقد ثبت أن طول الأغطية الطرفية للصبغيات يحدد عدد مرات انقسام كل خلية حية، وبالتالي يحدد أجلها قبل خروج الحمل من بطن أمه " ..

وليس أدل على ما سبق إلا قوله تعالى: (ِلكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ)

وقوله تعالى: " (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا).

والحديث الذي رواه مسلم قوله صلى الله عليه وسلم:

" يدخل الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقي أو سعيدٌ؟ فيكتبان، فيقول: يا رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبان، ويكتب عمله وأثره وأجله ورزقه، تم تطْوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص ".

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 10:55 م]ـ

زادك الله من فضله أستاذي الكريم ..

وقد يكون في تقديم الموت على الحياة دعوة لإحسان العمل، وتدارك ما كان من زلل، فإن الحياة صائرة إلى زوال، ولا تدري نفس بأي أرض تموت، ولا متى ينتهي أجلها.

يقول سيد قطب - رحمه الله -: " ليبلوكم أيكم أحسن عملا .. " استقرار هذه الحقيقة في الضمير يدعه أبدًا يقظًا، حذرًا، متلفتًا، واعيًا للصغيرة والكبيرة في النية المستسرة، والعمل الظاهر، ولا يدعه يغفل أو يلهو ". (الظلال: 29/ 3632)

والله - تعالى - أعلم.

ـ[خالد مغربي]ــــــــ[19 - 12 - 2008, 11:03 م]ـ

مرور عطر أستاذتي الكريمة

لك الشكر على إضافتك الماتعة

ـ[منذر أبو هواش]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 09:39 ص]ـ

:::

ترتيب الموت والحياة

قال تعالى في الآية 24 من سورة الجاثية:

"وَقَالُوا مَاهِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ".

الدهريون الزنادقة لا يعترفون أساسا بالخلق ولا بالبعث بعد الموت، لأن الأمر بالنسبة إليهم أزلي أبدي، ومسألة الموت والحياة بالنسبة إليهم عبارة عن متوالية حسابية لا بداية لها ولا نهاية، موت ثم حياة، ثم موت ثم حياة، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، لذلك فالترتيب في قولهم هنا غير وارد ولا معنى له لأنه في اعتقادهم جزء من متوالية حسابية أزلية لانهائية صماء، فهم لا يعترفون بالبداية فيكون هذا الأول، ولا يعترفون بالنهاية فيكون ذاك الأخير، والأمر لديهم سيان، وسواء عليهم أقالوا "نموت ونحيا" أم قالوا "نحيا ونموت".

وهذه الحقيقة الرياضية تؤيد ماذهب إليه البصريون من أن الواو هنا لمطلق الجمع وليست للترتيب.

قال تعالى في الآية 156 منسورة آل عمران:

"كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (البقرة 28)

وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ".

إذن، فالقرآن يفسر بالقرآن، والترتيب موت فحياة ثم موت ثم حياة.

والله تعالى أعلم، ودمتم،

منذر أبو هواش

ـ[أحمد الغنام]ــــــــ[20 - 12 - 2008, 11:00 ص]ـ

بارك الله لك أخي الكريم مغربي على هذه اللفتات الطيبة، ومن حكمة تقديم الموت هو ترسيخ مفهوم الموت في الذهن لأنه كما يقول العلماء في تقديم الموت، لأن الموت دليل قهر الإنسان في هذه الحياة وأنه بعد الموت ليس للإنسان خيار ثالث، وبذلك يبقي الإنسان يتذكر الموت أمامه حاضراً فيردعه، وأما في الحياة فتنتفي هذه الصفات والله أعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير