تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من آيات القتال]

ـ[مهاجر]ــــــــ[10 - 02 - 2009, 10:44 م]ـ

قوله تعالى: (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).

كُتِبَ: لفظ يوحي بالوجوب، بل هو من ألفاظ الوجوب الصريحة، و: "عليكم": قرينة أخرى تؤكد معنى الوجوب إذ "على" مئنة من الإلزام.

وحذف الفاعل للعلم به، ففي الشرعيات لا موجب إلا الله، عز وجل، بوحي متلو أو على لسان رسله عليهم الصلاة والسلام بوحي غير متلو، فمرجع التشريع كله إليه، عز وجل، فهو الرب المشرع الحاكم الآمر الناهي.

وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ: حال مقيدة تزيد التكليف مشقة، وإن كانت المشقة في الشرعيات غير مرادة لذاتها فالرب، جل وعلا، غني عن تعذيب عباده أنفسهم، وإنما تطرأ المشقة عرضا، لا أصلا، فالملة حنيفية سمحة لا تعسفية فجة.

وفي استعمال: "كره": وهو مصدر، في الإخبار عن القتال: نوع مبالغة، إذ القتل مكروه للنفوس حتى صح الإخبار عنه بأنه نفس الكره، فهو من باب: محمد عدل، فقد بلغ من العدل منزلة صح الإخبار به عنه.

فـ: "كره" بمعنى: "مكروه"، وذلك مما اصطلح على تسميته بـ: "تبادل الصيغ"، وهو باب واسع في لغة العرب.

وإلى طرف من ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:" {وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ} حالية أي والحال أنه مكروهٌ لكم طبعاً على أن الكُرهَ مصدرٌ وُصف به المفعولُ مبالغة، أو بمعنى المفعولِ كالخُبز بمعنى المخبوز". اهـ

وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ: "عسى" في القرآن واجبة، وفي الجملة نوع مقابلة بين: "تكرهوا" و "تحبوا"، و: "خير" و "شر".

وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ: مقابلة أخرى، وإن شئت قلت: طباق بالسلب بين: "يعلم" و "لا تعلمون" تزيد المعنى بيانا، ففي مقابل إثبات العلم للرب، عز وجل، العليم بما يصلح عباده: عدم علم العباد بالمصلحة الدينية بل والدنيوية المعتبرة، فرؤيتهم قاصرة، إذ جل همهم تحصيل المصلحة العاجلة، وإن أدت إلى مفسدة آجلة، فالقعود عن القتال، كما هو حالنا في العصر الحاضر: مصلحة مؤقتة بحفظ نفوس مآلها البلى، تفضي إلى مفسدة عظيمة، مفسدة: (سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ)، ولله در أبي الطيب إذ يقول:

عش عزيزاً أو مت وأنت كريمٌ ******* بين طعنِ القنا وخفقِ البنُدِ

ولله دره إذ يقول أيضا:

إذا غامرت في شرفٍ مرومٍ ******* فلا تقنع بما دون النجوم

فطعم الموت في أمرٍ حقيرٍ ******* كطعم الموت في أمرٍ عظيمِ

وحذف معمول: "يعلم" و "تعلمون" لدلالة السياق عليه، فتقدير الكلام: والله يعلم ما يصلح شأنكم في الأولى والآخرة إما في شأن القتال خاصة، أو في كل شأن عامة، وأنتم لا تعلمون ذلك، وحمل السياق على عموم المصلحة أولى، فالله، عز وجل، عليم بالكليات والجزئيات، حكيم فلا يشرع لعباده إلا ما فيه خير الدارين.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[12 - 02 - 2009, 07:29 ص]ـ

ومن قوله تعالى: (فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا)

فليقاتل: أمر يفيد الوجوب أو الاستحباب تبعا لطبيعة القتال هل هو من فروض الأعيان أو من فروض الكفايات، ولا أقل من حمله على الاستحباب، فهو طاعة، والطاعة لا تنفك عن كونها واجبة أو مستحبة على اقل تقدير، وفي تقديم الحكم الشرعي وإردافه بوصف المقاتلين، وهو وصف يبعث الهمم من سباتها، في ذلك: نوع تهييج وإلهاب للمخاطب على طريقة: إن كنتم رجالا فهلم إلى قتل وحرب تتمايز به أقدار الرجال وتظهر فيه معادنهم، فالقتال للرجال فقط، الذين من صفتهم أنهم:

يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ: فذكر الموصول مجملا ثم أردفه بالصلة المبينة، كما تقدم مرارا، وقيد القتال بأنه في سبيله، عز وجل، احترازا من أي راية أخرى، وفي حديث أبي موسى الأشعري، رضي الله عنه، مرفوعا: (مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، وفي الشراء استعارة مبادلة العين بثمنها لمبادلة الروح بنعيمها، والباء إنما تدخل على الثمن، فثمن الدنيا الفانية: الآخرة الباقية. وقد يقال بأنها استعارة تصريحية في الفعل: "يشرون" إذ ناب عن الفعل: "يستبدلون"، وهي تبعية في نفس الوقت إذ وقعت في الفعل وهو مشتق من مصدره، وذلك حد الاستعارة التبعية التي تقع في المشتقات لا الجوامد.

ثم أردف بذكر جزاء ذلك على سبيل الشرط حفزا للهمم، فهو خبري المبنى طلبي المعنى، فلن تنال النفس المشروط من الجزاء إلا بامتثال شرطه، ومن خطب الحسناء لم يغله المهر:

وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا:

فـ: "من" اسم شرط وهو نص في العموم، وهو محفوظ لا مخصص له، إذا استوفى المقاتل شرط القبول وانتفت عنه موانعه من قبيل الدَيْن، وما حكي عن أهل الأعراف في قول بأنهم الشهداء الذين خرجوا بلا إذن آبائهم في غير الفرض الواجب إذ لا استئذان في فروض الأعيان.

فيقتل أو يغلب: استيفاء لأوجه القسمة العقلية طمأنة للنفوس، فالمقاتل في سبيل الله رابح على كل حال، فإما شهادة وإما نصر، وقدم القتل إذ هو أسمى غايات المقاتل، والجزاء: أجر موطئ لما بعده من وصف العظمة، وتنكيره مئنة من عظمه فلا يعلم قدره إلا الله عز وجل.

والله أعلى وأعلم.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير