تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

من قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَب)

ـ[مهاجر]ــــــــ[08 - 02 - 2009, 08:56 م]ـ

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)

نداء لاسترعاء انتباه السامع فيه مئنة من علو شأن المتكلم، جل وعلا، وقد تعلق الحكم بالوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة وهو: "الإيمان".

إن كثيرا: توكيد بـ: "إن"، واللام المزحلقة في: "ليأكلون"، ودلالة المضارع على الاستمرار مئنة من استمراء أولئك أكل تلك الحقوق في كل عصر ومصر، وهذا أمر فاش في رؤوس الضلال من أهل الملل أو النحل الذين يكتمون الحق ضنا برياساتهم الزائلة ومكاسبهم الفانية، فالعبرة بعموم المعنى وهو: كتمان الحق رعاية لمتاع زائل، وذلك وصف متعد لا يقتصر على ملة أو نحلة أو طائفة أو شخص بعينه.

مِنَ: بيانية جنسية وفيها معنى التبعيض، فضلا عن كونها لابتداء الغاية، إذ ابتداء ذلك صادر منهم وذلك معنى لا تنفك عنه "من" كما قرر بعض النحاة كما حكى ذلك ابن هشام، رحمه الله، في "مغني اللبيب".

وفي الإتيان بلفظ: "الأكل" في: "ليأكلون": تمثيل لعموم الانتفاع بالأموال فلا يخصصه، وإنما ورد النص على تلك الصورة بعينها لأن غالب الانتفاع بالأموال إنما يتعلق بالأبدان، وحاجة الأبدان إلى المآكل حاجة ملحة لا تنقطع.

وإلى طرف من ذلك أشار القرطبي، رحمه الله، في معرض تفسير قوله تعالى: (وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا)، بقوله:

"ليس المقصود صورة الأكل، وإنما المراد به الاستباحة بأي طريق كان، وهو المعني بقوله في الآية التي بعدها: (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما).

وليس المراد نفس الأكل، إلا أن الأكل لما كان أوفى أنواع التمتع بالمال عبر عن التصرفات بالأكل.

ونظيره قوله تعالى: (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) يعلم أن صورة البيع غير مقصودة، وإنما المقصود ما يشغله عن ذكر الله تعالى مثل النكاح وغيره، ولكن ذكر البيع لأنه أهم ما يشتغل به عن ذكر الله تعالى". اهـ

"الجامع لأحكام القرآن"، (5/ 24).

بِالْبَاطِلِ: حال مقيدة معتبرة المفهوم، إذ أكل الأموال بالحق لا جناح على فاعله.

وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ: عطف لازم على ملزومه، فإن عموم المكلفين إذا نظروا إلى حال أولئك المتأكلين بأديانهم، ساء ظنهم بالدين وأهله، وأي صد عن سبيل الله أعظم من ذلك؟!!!!، وهذا أمر مشاهد في سلوك كثير من شيوخ السوء والضلالة في العصر الحاضر وما أكثرهم!!!.

وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ: تعليق آخر للحكم على الوصف الذي اشتقت منه جملة الصلة، وهو كنز الأموال، وليس مطلق الكنز مذموما، وإنما قيد ذلك بالكنز المفضي إلى منع حقوق الله وحقوق العباد في المال المكتنز.

وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ: عطف لازم على ملزومه، فالكانز لا ينفق في سبيل الله بداهة، إذ قد ساء ظنه بربه، عز وجل، فشح بالنفقة خشية الفقر. وفي الإطناب في معرض الذم بعطف اللازم على ملزومه مزيد بيان لأوصاف أولئك تنفيرا من حالهم.

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ: دخلت الفاء على الخبر لما أشرب المبتدأ: "الذين"، معنى الشرطية، وفيه: استعارة عنادية تهكمية إذ البشرى والعذاب لا يجتمعان إلا على سبيل التهكم، وفي ذلك مزيد نكاية فيهم، والنص عام، إذ العبرة بعموم لفظه، والموصول: "الذين": نص في العموم، ويقال في مثل هذه المواضع: تعليق وقوع المشروط على شرطه في معرض الوعد أو الوعيد: خبر في مبناه، طلب في معناه، إذ الوعد يحمل المخاطب على الامتثال فعلا، والوعيد يحمله على الامتثال تركا.

والله أعلى وأعلم.

ـ[مهاجر]ــــــــ[09 - 02 - 2009, 09:43 م]ـ

ومثله في "الأكل":

قوله تعالى:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير