تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[جماليات التقديم والتأخير في البلاغة العربية (1)]

ـ[ابن عبد العزيز الرجداوي]ــــــــ[12 - 11 - 2008, 01:23 ص]ـ

دكتور

أسامة عبد العزيز جاب الله

كلية الآداب – جامعة كفر الشيخ

أولاً: مرحلة بداوة المصطلح

في بداية الحديث عن " التقديم والتأخير " عند البلاغيين في مرحلة " بداوة المصطلح " لابد من تقسيم هذه المرحلة إلى شقين هما:

- الشق الأول: يتعلق بالكتب التي تتناول الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم.

- بينما الشق الثاني: يتعلق بالاتجاه النقدي والبلاغي المتناول لإنتاج الشعراء بالتحليل والدرس والفحص.

وكلا الشقين يشتركان معا في صفة " بداوة المصطلح " حيث إن المصطلح في هذه المرحلة – والتي تمتد إلى وقت ظهور" دلائل الإعجاز " للإمام عبد القاهر الجرجاني – لم يكن قد نضج بعد، ولم يتعد عند بلاغيي هذه المرحلة فعل الرصد والإشارة، فلم يتناوله أحدهم بالتحليل، وإبراز الأثر الجمالي المتولد عن الجملة المختلة الترتيب بالتقديم والتأخير، ولا بمحاولة ذكر أسباب هذا الاختلال التركيبي.

والمصطلح في مرحلة البداوة كان يرتحل في مسمياته ما بين " التقديم والتأخير " و" المقدم والمؤخر " و" التقدم والتأخر " و" تقاديم الكلام " بل واختلط في بعض المؤلفات مع مصطلح " القلب " وكان مرادفاً له – كما سيتضح – وكل هذه المسميات تدل في جوهرها على مقصود واحد وهو الفعل الذي ينتظم الجملة فيختل تركيبها، وتتبادل الأدلة فيها المواقع.

والمقصد من إطلاق لفظة البداوة ليس التقليل من شأن وأهمية المصطلح بل القصد هو الإشارة إلى عدم وضوح جوانب كثيرة مبتغاة من وراء توظيف المصطلح في هذه المرحلة، وخفاء هذه الجوانب عن بلاغيي هذه المرحلة هو سبب الوصف بالبداوة، وإن كان لاينكر فضل البلاغيين في هذه المرحلة في التنبيه على مواضع هذا المبحث، وتنبههم لأهميته في هيكل البلاغة العربية.

ولعل درسنا – الآن – للشقين كليهما يرسخ بعض الأفكار في المبحث، وينير جوانب الكثير من التساؤلات الحائرة.

الشق الأول: كتب إعجاز القرآن

القرآن الكريم هو كتاب الله المعجز، المتعبد بتلاوته، المتحدى به، المنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بواسطة أمين الوحي جبريل – عليه السلام-. وقد كان من الطبيعي أن يقف العرب – وهم أهل الفصاحة والبلاغة – أمام هذا النص المعجز وقفة إجلال وانبهار، يقفوا أمام ألفاظه ومعانيه، وأحداثه وقصصه، وما يحتويه من أحكام.

وكانت هذه الوقفة تهدف مرة إلى الاستمتاع، وأخرى إلى الطعن والذم والقدح. لكن في نهاية المطاف أقر العرب بإعجاز النص القرآني لأنهم رأوا عين الحقيقة، فآمنوا وأصبح الغرماء هم أفضل خلق الله، وحملوا أمانة الدعوة في أعناقهم، وأمانة نقل النص القرآني كما أنزل إلى الأجيال اللاحقة، فكانوا نعم الحفظة ونعم النقلة – رضي الله عنهم أجمعين -.

لكن ظهور الإسلام على الكثير من الأمم ودخول أهلها في دين الله أفواجاً، أدى إلى اختلاط الثقافات وتداخل اللغات والأجناس، فعاد الطعن مرة أخرى ليطل برأسه من جديد متشحاً هذه المرة بثوب التعلم وطلب الإجابة. وكان لابد من أن ينبري ويتصدى لهذه التساؤلات علماء اللغة الأصلاء لدفع هذه الهجمات الدنيئة عن النص القرآني، وبيان إعجازه وبلاغته الراقية، ونظمه المتجانس، ولفظه المعجز.

وانطلاقاً من هذه الجزئية ظهرت طائفة من العلماء الفضلاء تخصصت في بيان أوجه إعجاز النص القرآني من شتى الجوانب، سواء الإعجاز اللغوي أم الإعجاز البلاغي أم النظمي. وأفاض هؤلاء العلماء في ذكر نواحي الإعجاز المختلفة للنص القرآني دحراً لهذه الفرق والفئات الضالة.

وتضمنت آثار هؤلاء في بيان الإعجاز القرآني كماً هائلاً من الإشارات الجلية في الإعجاز البلاغي للقرآن الكريم، واحتواء النص القرآني للكثير من أبواب الفصاحة والبلاغة، بل وتفرده على نحو بليغ باستعمال هذه الأساليب كما لم يألفها العرب، مما حير النفوس وأذهل الألباب.

وكان من ضمن هذه الإشارات البلاغية؛ إشارات العلماء إلى مبحث " التقديم والتأخير " في النص القرآني، ووقوفهم – مسرعين – علي بعض دلالات المبحث في الآيات القرآنية بغرض إيضاح فكرة ما، أو الإشارة إلى ملمح بلاغي معين.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير