من قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ)
ـ[مهاجر]ــــــــ[15 - 02 - 2009, 08:08 ص]ـ
من قوله تعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
تسبح: المضارع مئنة من التجدد والحدوث فهي لا نزال مسبحة له، عز وجل، منزهة له عن كل نقيصة.
السماوات السبع والأرض ومن فيهن: استيفاء لأنواع الخلق، العلوي والسفلي ومن فيهما، و: "من": للتغليب، إذ العجماوات التي لا تعقل، والجمادات التي لا تنطق تسبح، أيضا، بحمده جل وعلا.
وإن من شيء: إطناب بذكر عموم آخر، مؤكد بـ: "من" التي هي للتنصيص على العموم، فالنكرة: "شيء" واقعة في حيز النفي المؤكد بـ: "من" فأفادت العموم، فضلا عن القصر بأقوى أدواته: النفي والاستثناء، وذلك أيضا: مئنة من التوكيد، وذاك عموم قد بلغ أوجه فلا مخصص له إلا إذا خرج الكافر باعتبار حاله لا باعتبار شخصه، فإن الشخوص، وإن أنكر أصحابها حق الألوهية، فآيات الربوبية فيها شاهدة بوحدانية من صورها وإن أنكرته ظلما وعلوا، مصداق قوله تعالى: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ).
يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ: تخلية من أوصاف النقص بالتسبيح فذاك من تمام نعت جلاله، فتحلية بأوصاف الكمال بالتحميد فذاك من تمام نعت جماله، ومن تأمل الجلال والجمال ظهر له من وصف الكمال ما يشرح الصدر وينير القلب ويبدد ظلمة العقل، فإن اتصاف الله، عز وجل، بالكمال المطلق: جلالا وجمالا، مطلب شرعي وعقلي ملح، فكل أدلة الفطرة والعقل والحس والشرع شاهدة بذلك، فلا تنسجم النفوس مع الكون إلا إذا سبحت كما يسبح.
لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ: نفي تسلط على المصدر الكامن في الفعل فأفاد العموم، والفقه في التنزيل إما أن يراد به:
مطلق الفهم كما يشهد له هذا السياق، فلا يدرك الإنسان بحواسه القاصرة تسبيح الجمادات والعجماوات، وليس عدم الوجدان دليلا على عدم الوجود، فقد يوجد الشيء، ولا تدركه العقول، امتحانا للمكلفين بالإيمان بالغيب.
وأرجع الضمير في: "تسبيحهم" على: "شيء" مع كونها مفردة اللفظ إذ معناها معنى الجمع، فالنكرة مظنة الشيوع فكيف إذا كانت في سياق نفي مؤكد، صيرها نصا قطعيا في العموم، والعموم مظنة الجمع.
وإما أن يراد به: الفقه في الدين عموما: أصلا وفرعا، كما في قوله تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ).
ولما حدثت المصطلحات: صار الفقه عند المتأخرين حقيقة اصطلاحية، أو عرفية خاصة عند أهل الفقه العملي، فصار الفقه اسما لعلم الفروع العملية بعد أن كان اسما جامعا للأصول العلمية والفروع العملية، فحقيقته الاصطلاحية الحادثة أخص من حقيقته الشرعية، وحقيقته الشرعية أخص من حقيقته اللغوية، فمن فهم مطلق عام إلى فهم في الدين أصولا وفروعا، إلى فهم في الدين فروعا، ومن البلاغة: فهم مراد المتكلم، ولا يكون ذلك إلا بالنظر في السياق الذي ترد فيه تلك الألفاظ متعددة الدلالة، ليستدل على المعنى المراد بقرينة السياق، فهو قيد في فهم مراد المتكلم.
وإنما يقع الخلل في هذا الباب: بحمل المعاني القديمة على معان حادثة طارئة، كمن يحمل لفظ: "الإمامة" في التنزيل في نحو قوله تعالى: (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، على الإمامة الاصطلاحية التي غلا فيها من غلا من أرباب البدع.
وقل مثل ذلك في حمل النصارى لفظ "الابن" على البنوة الاصطلاحية عندهم، فصيروا المسيح عليه السلام ابنا لله، مع أن اسم البنوة يقع في لسانهم على المحب المصطفى، وذلك وصف لا يختص به المسيح عليه السلام.
فلو رجعوا إلى النصوص التي تناولت مسألة البنوة رجوع المستقرئ لا المنتقي لوجدوا فيها ما ينقض مقالتهم، إذ البنوة وصف متعد لغير المسيح عليه السلام من سائر الأنبياء، بل من سائر البشر [/ size][/color]، فالبنوة تكون بالمحبة، كما تقدم، مصداق قوله تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ).
والأصل في ذلك أنه: "إنما يحمل كلام الأنبياء عليهم السلام وغيرهم على معنى لغتهم التي جرت عادتهم بالتكليم بها لا على لغة يحدثها من بعدهم ويحمل كلامهم عليها". اهـ
"الجواب الصحيح"، (2/ 387).
وتتبع الألفاظ الاصطلاحية الحادثة التي تشترك في مبانيها مع حقائق شرعية أو لغوية سابقة أمر يستحق الاهتمام، فهو يصلح مادة لبحث مستقل.
والله أعلى وأعلم.
ـ[تميمي]ــــــــ[19 - 02 - 2009, 10:12 ص]ـ
أشكرك على هذه المعلومات القيِّمة