تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ملامحُ الخطابِ النفسيّ في القرآنِ الكريم ..

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 01:06 ص]ـ

:::

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

شاع في الخطاب القرآني كثيرٌ من المعاني النفسية التي تبدو واضحة من السياق، والقرائن، والألفاظ؛ لتكون أوعية مشحونة بتلك المعاني، وهذا أمر مهم في تبليغ الخطاب وإيصاله إلى النفوس؛ بغية تقبله والإيمان به؛ لأن العقل وحده لا يدفع إلى الإيمان بعمق؛ إذ لا بد من تضافر العقل والنفس.

وهنا سأعرض بعضًا من المعاني النفسية التي عبر عنها القرآن الكريم بطريقته المفتنة، تخيّرتها - بتصرّف - من كتاب (الخطاب النفسي في القرآن الكريم - دراسة دلالية أسلوبية) للدكتور/ كريم الخالدي:

1/ الخوف والرهبة:

صور الخطاب القرآني الخوف والرهبة في نفوس المسلمين أو الكافرين بدقة ووضوح؛ فأظهر ما يعتري النفوس في حالات الشدة أو الكوارث، فيحس المخاطب بما ينتاب الموصوفين من خلال ربط الحالات التي عاشوها بأدوات التعبير عنها؛ إذ يرتبط الخوف بعلامات كثيرة تعرض لها الذكر الحكيم.

ولنأخذ على ذلك شاهدًا:

قال تعالى: (فإذا جاءَ الخوفُ رأيتَهم ينظرون إليك تدورُ أعينُهم كالذي يُغشى عليه من الموت) (الأحزاب: 19)

لاحظوا معي كيف عُبر عن الخوف هنا (خوف المنافقين):

إن إسناد الدوران إلى العيون (وعدم الاكتفاء بقوله ينظرون)، وتشبيهه بنظر المغشي عليه الذي يعاني سكرات الموت تعبير دقيق عن حالة الخوف والرهبة الكاملة؛ لأن الفعل (دور) يعني: اللف حول الشيء، وهذا يوضح اضطراب نفوسهم، وتغلغل الخوف فيها، مما يجعلهم يبحثون عن مفر يلجؤون إليه، أو حل لما هم فيه، لذا تدور الأعين في أرجاء المكان، ينظر أحدهم في وجه الآخر، وتتقلب أحداقهم في حركة دائبة، وهذا المعنى لن يَأْلقَ لولا وجود دليل الخوف البادي في الآية (تدور أعينهم).

والتشبيه ركيزة أخرى من ملامح التعبير عن النفسية الوجلة هنا (كالذي يغشى عليه من الموت) فهو يصور عظم الخوف، ويقرب صورته؛ لما يكون عليه حال المغشي عليه من انهيار وخور، فلا يرى الأشياء كما هي، بل يشعر بدوران الأرض حوله، ثم فقد الوعي، ولم تكن حركة عيونهم أمارة حيوية أو حياة، وإنما مظهر عجز واستسلام ...... وهكذا حال المنافقين الخائفين الشديدة في الآية.

والله - تعالى - أعلم.

يُتبع بحول الله.

ـ[عبدالعزيز بن حمد العمار]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 04:44 ص]ـ

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...

ما شاء الله!

يا لروعة القرآن!

اسمحي لي بالمشاركة، واعذريني على المقاطعة من فضلك:

لقد تحدثت عن البلاغة بشكل رائع في الآية من خلال دوران الأعين والتشبيه كعادتك، ولقد لفت انتباهي، ونال إعجابي زادك الله علمًا.

قرأت الآية مرة أخرى، فخرج لي الآتي، والرأي لك.

فهل ما أقول بالطريق الصحيح؟

بدئت الآية بالظرف (إذا) وهي للتكثير، ولم تبدأ (بإن). فالمنافقون كما ذكر- تعالى - (يحسبون كل صيحة عليهم)، والذي اقشعر له جسدي حين توالت الأفعال - سبحان الله - والله لقد اقشعر جسدي:

- جاء الخوف + رأيتهم + ينظرون

ومما يزيد الأمر جمالا وقوة ً تصويرُ الخوف حتى كأنه الرجل يأتي.

والسامع للآية تذهله كثرة الحركة في الآية من خلال توالي الأفعال، ومع الحركة والاضطراب ثمة صور تقدح في ذهن السامع:

مجيء الخوف + رؤيتهم + الخطاب الموجه للنفس + صور كثيرة لأشخاص كثر تدور أعينهم + صور أخرى: (الموت و كربه). سبحان الله!

والآية تخلب السامع بالبناء للمعلوم حتى تصل إلى أعلى حد، فتترك السامع ليتصور أشياء كثيرة، وذلك بالبناء للمجهول (يُغشى).

دعواتي.

ـ[خالد مغربي]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 05:05 ص]ـ

أشعلت فتيل التأمل أختي ندى فانبجس عبدالعزيز بتأمل تضافر مع تأملك فلله دركما

مزيدا من التألق أخوي العزيزين

ـ[أبو عمار الكوفى]ــــــــ[24 - 09 - 2008, 05:18 م]ـ

بارك الله فيكم:

ولْنَظرْ لروعة التصوير: {تدور أعينهم} فالعين كلها تدور رغم أن المنظور إليه شخص النبي صلى الله عليه وسلم؛ دلالة على شدة الرعب والتحير.

{كالذي يغشى عليه من الموت} فمَن في السكرات ينظر بكلتي عينيه لمن حوله في ذهول ورعب، وحيرة مما يحدث.

ـ[ندى الرميح]ــــــــ[27 - 09 - 2008, 02:35 م]ـ

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...

ما شاء الله!

يا لروعة القرآن!

اسمحي لي بالمشاركة، واعذريني على المقاطعة من فضلك:

لقد تحدثت عن البلاغة بشكل رائع في الآية من خلال دوران الأعين والتشبيه كعادتك، ولقد لفت انتباهي، ونال إعجابي زادك الله علمًا.

قرأت الآية مرة أخرى، فخرج لي الآتي، والرأي لك.

فهل ما أقول بالطريق الصحيح؟

بدئت الآية بالظرف (إذا) وهي للتكثير، ولم تبدأ (بإن). فالمنافقون كما ذكر- تعالى - (يحسبون كل صيحة عليهم)، والذي اقشعر له جسدي حين توالت الأفعال - سبحان الله - والله لقد اقشعر جسدي:

- جاء الخوف + رأيتهم + ينظرون

ومما يزيد الأمر جمالا وقوة ً تصويرُ الخوف حتى كأنه الرجل يأتي.

والسامع للآية تذهله كثرة الحركة في الآية من خلال توالي الأفعال، ومع الحركة والاضطراب ثمة صور تقدح في ذهن السامع:

مجيء الخوف + رؤيتهم + الخطاب الموجه للنفس + صور كثيرة لأشخاص كثر تدور أعينهم + صور أخرى: (الموت و كربه). سبحان الله!

والآية تخلب السامع بالبناء للمعلوم حتى تصل إلى أعلى حد، فتترك السامع ليتصور أشياء كثيرة، وذلك بالبناء للمجهول (يُغشى).

دعواتي.

الأستاذ الفاضل عبدالعزيز العمار:

بورك هذا التأمل الكريم ... أسأل الله أن يعمر قلبك بنور القرآن، ويوقد ذهنك لتدبر البيان.

من أهم أغراض البلاغة: هي أن يكتشف المتلقي سر الجمال في التعبير، فيحس به، وتسري في دخيلته تلك الرعشة الكهربية اللذيذة! فيجلي حسنه، ويكشف دقة تركيبه.

ليست المصطلحات البلاغية غاية في حد ذاتها، بل وسيلة لاكتشاف المكنون من الجمال.

وفقت أخي ..

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير