[من خطاب هرقل]
ـ[مهاجر]ــــــــ[17 - 12 - 2008, 09:00 ص]ـ
من خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى هرقل:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
خير استهلال بالتسمية على تقدير باسم الله أبدا خطابي لك، أو: بداية خطابي لك: باسم الله، والتقدير تابع للأمر المشروع فيه، وهو هنا خطاب مكتوب.
من محمد بن عبد الله: من: لابتداء الغاية.
إلى هرقل: انتهاء الغاية وهو الترتيب العقلي الصحيح لصدور الخطاب من المخاطِب إلى المخاطَب.
عظيم الروم: تأليف للقلب، بلقب لا مداهنة فيه، فلم يصفه بأوصاف الملك إذ ملكه باطل شرعا، ولم يجرده من أوصاف الرياسة لقومه فإثباتها له لا يتضمن معنى يخالف الشرع.
سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى: تأليف آخر بلا مداهنة، وقد يحمل التنكير على التعظيم بضميمة: "من اتبع الهدى"، وفيه إغراء للمخاطب بسلوك طريق الهدى حتى يناله النصيب الأوفر من ذلك السلام العظيم.
أَمَّا بَعْدُ: شروع في المطلوب.
فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ: إجمال تتشوف النفس إلى بيانه.
أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ:
بيان ما أجمل.
وفي: "أسلم تسلم": جناس يدل على معنى السلامة الكلي، فإن الإسلام سبيل السلامة المعنوية والحسية في الدنيا والآخرة، وفيه إيجاز بحذف الشرط الذي جزم جواب الطلب، فتقدير الكلام أسلم: إن تسلم تسلم، وفي حذفه تعجيل بالمسرة استمالة للمخاطب، فانتقل إلى النتيجة مباشرة دون تعريج على المقدمة، لدلالة السياق عليها، والتعجيل بالمسرة في مقام البشرى أو الدعوة إلى الحق بذكر الوعد المترتب على ذلك مقصد من مقاصد البلغاء، وقد عجل المسرة الدنيوية ابتداء، لكونه يخاطب ملكا يضن بملكه، فبشره بالسلامة العاجلة ليهدأ خاطره، ومن ثم ثنى بذكر الثواب الآجل:
أسلم يؤتك الله أجرك مرتين: فلو قلنا بأن جملة: "يؤتك الله .......... " بدل من جملة: "تسلم" الأولى، فهي بيان ثان، فتكون الأولى بمنزلة الموطئة للثانية بذكر الوعد بالسلامة إجمالا ثم تفصيله: فالأجر أجران: أجر إيمانه بعيسى عليه السلام، وأجر إيمانه بمحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو أجر إيمانه ابتداء وأجر إيمان قومه تبعا له، كما أشار إلى ذلك الحافظ، رحمه الله، في الفتح.
وقد يقال: القسمة ثنائية: فالأولى تدل على السلامة الدنيوية، والثانية تدل على السلامة الأخروية، فيكون في الثانية تأسيس معنى جديد لم تدل عليه الأولى، بخلاف التقدير الأول، فإن الثانية بينت إجمال الأولى فلم تأت بمدلول جديد.
فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَعَلَيْكَ إِثْمُ الْأَرِيسِيِّينَ: شرط فيه معنى الوعيد، فهو خبري المبنى طلبي المعنى، وفيه نوع مقابلة لـ: "يؤتك الله أجرك مرتين"، فكما أن له الأجر مضاعفا إن أسلم، فيسلم بإسلامه فئام من قومه، فيكون سببا في هدايتهم، فكذلك عليه الوزر مضاعفا إن كفر، فيكفر بكفرانه فئام من قومه، فيكون سببا في إضلالهم.
وقدم "فعليك" وحقه التأخير إمعانا في الوعيد إن كفر، وفي السياق عموما: ترغيب فترهيب، وهذه طريقة الوحي المطردة في المزاوجة بين الوعد والوعيد.
وَ {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
يا: نداء فيه مئنة من غفلة المخاطَب وعلو شأن المخاطِب.
تعالوا: تلطف معهم في الخطاب يقتضيه مقام الدعوة، ففي الفعل معنى التعالى عن سفاسف الأمور إلى معاليها وذلك مما اتفق جمهور العقلاء عليه.
أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ: كمال تأله لله عز وجل.
وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ: نفي متمم للإثبات المتقدم، فهو من عطف اللازم على ملزومه، إذ لازم إفراد الله، عز وجل، بالعبادة: نفي الشرك واتخاذ الأرباب من دونه.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ: تعريض بهم بفحوى الخطاب، إن تولوا، فإثبات الإسلام لنا يستلزم نفيه عمن خالفنا في أصل المعتقد فليس ثم إلا: إسلام وكفر، وداخل الإسلام تتفاوت المقالات قربا وبعدا من المقالة الأولى: مقالة محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم التي نزل بها الروح الأمين وحملها الصحب الكرام، رضي الله عنهم، إلى أمم الأرض شرقا وغربا.
والله أعلى وأعلم.