[عن الجماعة]
ـ[مهاجر]ــــــــ[18 - 11 - 2008, 08:38 ص]ـ
هذا تحليل لبعض النصوص في الحض على لزوم الجماعة المسلمة يحتاج مراجعة وتعليق فهي محاولة ومدارسة:
من خطبة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (يا أيها الناس، عليكم بالطاعة والجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة)
يا أيها الناس: نداء للبعيد مشعر بغفلة السامع مع عظم الموعظة، فاستلزم ذلك استرعاء انتباهه برفع الصوت بنداء البعيد، وهذا حال معظم الناس.
بالطاعة والجماعة: عطف مسبَب على سبب، أو نتيجة على مقدمة، أو لازم على ملزوم، فإن لازم الطاعة الجماعة.
فإنها حبل الله عز وجل: استعارة أصلية في "الحبل" فإنه: دين الإسلام أو القرآن أو ......... إلخ على خلاف بين المفسرين هو: اختلاف تنوع إذ مؤدى الأقوال واحد من لزوم التمسك بدين الإسلام وتعظيم نصوص الكتاب والسنة، فحذف المشبه وأقام المشبه به: الحبل مقامه، وقد وقعت الاستعارة في الاسم: "الحبل" فكانت أصلية من هذا الوجه.
وما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة: مقابلة يظهر بها البون الشاسع بين الجماعة التي هي رحمة والفرقة التي هي عذاب. فقابل بين: الجملتين: "ما تكرهون في الجماعة"، "ما تحبون في الفرقة"، أو طابق بين: "تكرهون وتحبون"، و "الجماعة والفرقة".
*****
ومن ذلك أيضا:
حديث أنس، رضي الله عنه، مرفوعا: (اسمعوا وأطيعوا، وإن استعمل عليكم حبشي كأن رأسه زبيبة).
اسمعوا وأطيعوا: أمر على بابه للوجوب، وعطف الطاعة على السمع، إما أن يكون:
توكيدا: إذا كان المقصود بالسمع: سمع الطاعة، فيكون فيه معنى الاستماع والإنصات ثم الاستجابة.
أو تأسيسا: إذا كان المقصود: سمع الإدراك، فيسمع أولا، ثم يطيع ثانيا، فيكون ذلك من عطف النتيجة على المقدمة، أو اللازم على الملزوم.
ولكل وجه:
فإن قيل بالتوكيد: فقد يخرج ذلك على أن المقام مقام جليل يتطلب التوكيد على هذا الأصل العظيم: أصل اجتماع المسلمين ولو على متغلب بالسيف، ما لم نر كفرا بواحا، فتحتمل المفسدة الصغرى بتوليه درءا للمفسدة العظمى بالخروج عليه وإن كان أهلا لذلك صيانة لدماء وأعراض المسلمين.
وإن قيل بالتأسيس فهو على الأصل المقرر: "إذا دار الكلام بين التأسيس والتوكيد فحمله على التأسيس أولى لأنه الأصل"، فالأصل في الكلام: تجدد المعاني لا تكرارها.
وإن استعمل عليكم حبشي: فيه من فنون البلاغة: المبالغة، فقد يضرب المثل بما لا وجود له أصلا مبالغة في الأمر، كما أشار إلى ذلك الخطابي رحمه الله. وقد يقال بأن ذلك متصور إذا كان العبد قد تولى إمارة خاصة كإمارة مصر من الأمصار لا الإمارة العامة، أو إذا تولى الإمارة العامة بحد السيف كما تقدم.
كأن رأسه زبيبة: تشبيه مرسل مجمل ذكرت فيه أركان التشبيه، وحذف وجه الشبه وهو صغر الزبيبة وتجعدها كرأس العبد الحبشي وشعره.
*****
ومنه أيضا: حديث عوف بن مالك الأشجعي، رضي الله عنه، مرفوعا: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم، وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم. قلنا: يا رسول الله: أفلا ننابذهم على ذلك؟ قال: لا، ما أقاموا فيكم الصلاة، لا ما أقاموا فيكم الصلاة، ألا من ولي عليكم منهم، فرآه يأتي شيئا من معصية الله عز وجل، فلينكر ما يأتي به من معصية الله، ولا تنزعن يدا من طاعة الله عز وجل).
الذين تحبونهم ويحبونكم: جناس ومشاكلة وفيه من عطف اللازم على الملزوم، إذ حبهم لكم فرع على حبكم لهم، فإن المتمكن النافذ الأمر هو الذي يبدأ بالإحسان تأليفا لقلوب رعيته، فيكون حبهم له فرعا على حبه لهم.
وفي الحديث: مقابلة بين: "خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، وتصلون عليهم ويصلون عليكم"، و: "شرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم، وتلعنونهم ويلعنونكم" أو طباق بين: "الخيار والشرار" و: "الحب والبغض"، و: "الصلاة واللعن".
يا رسول الله: نداء للبعيد تعظيما لمقامه الشريف صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
أفلا ننابذهم: فيه إيجاز بالحذف، فتقدر جملة بعد همزة الاستفهام يتم بها المعنى، كأن يقال: أنقعد عن قتالهم فلا ننابذهم؟ والاستفهام على حقيقته للاستعلام عن طريقة أهل الحق زمن الفتن، وفيه نوع تعجب من القعود عن قتال أئمة الجور مع عظم إفسادهم، ولكن العجب يزول إذا ما نظرنا إلى الأمر بميزان الشرع الذي نزل لتحصيل أعظم قدر من المصلحة ودرء أعظم قدر من المفسدة.
من معصية الله عز وجل: من: بيانية جنسية.
ولا تنزعن يدا من طاعة الله عز وجل: توكيد بالنون في: "تنزعن" يناسب المقام، وفي جعل طاعة الأمير هي طاعة الله مزيد توكيد على وجوب التزام الجماعة ونبذ الفرقة، ففي الكلام: استعارة تصريحية إذ شبه طاعة الإمام بطاعة الله عز وجل، وحذف المشبه به، وهي أصلية من جهة وقوعها في الاسم: "طاعة".
وفي الكلام التفات من الغائب: "فلينكر" إلى المخاطب: "ولا تنزعن"، وفيه أيضا مزيد عناية بالأمر الصادر منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالتنبيه على عدم نزع الطاعة يحسن معه تغيير السياق إشارة إلى عظم الأمر.
والله أعلى وأعلم.
¥