تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[من سورة الكهف]

ـ[مهاجر]ــــــــ[06 - 12 - 2008, 07:59 ص]ـ

ومن سورة الكهف: قال تعالى: (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا)، فـ: "ولدا": نكرة في سياق الإثبات، فتفيد الإطلاق، فمجرد إطلاق وصف الولد على الله، عز وجل، أمر مستشنع، ولذلك كان الإثبات، وإن خلا من أي مؤكد: منكرا من القول وزورا. فناسب أن تدخل: "من" التي تفيد التنصيص على العموم على "الولد" في آيات النفي من قبيل قوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ)، فهي أبلغ في النفي من: ما اتخذ الله ولدا، ففي الإثبات: مجرد اعتقاد ذلك، وإن لم يؤكده المعتقد بأي أداة من أدوات التوكيد، محل إنكار، دلت عليه الآية التالية: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)، وفي النفي: يؤكد ذلك وينص عليه بعينه إمعانا في تنزيه الباري، عز وجل، عن مقالة السوء، فالدعوى، وإن كانت باطلة في نفسها إلا أنها تقابل بدفاع قوي مؤكد بما يجعل السياق نصا، ودلالة النص: دلالة قطعية غير محتملة، ولك أن تتخيل ما لو عكس الأمر فجاءت القضية مؤكدة كأن يقال: إن الله اتخذ ولدا، أو: إن لله ولدا .............. إلخ من السياقات المؤكدة، ثم جاء الرد خاليا من أي مؤكد من قبيل: ما اتخذ الله ولدا، أو: ليس الله والداً ......... إلخ، لك أن تتخيل ذلك لتدرك بلاغة القرآن في عرض الشبهات مجردة من أدوات التوكيد لئلا ترسخ في ذهن القارئ، ثم الكر عليها بالنفي مؤكدا لدحض الشبهة ورفع الإشكال.

وفي الآية التالية: (مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآَبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)

توكيد آخر بـ: "من" الداخلة على النكرة المنفية: "علم"، فالدفاع مطرد بنفس القوة، فضلا عن تقديم الجار والمجرور "لهم" وحقه التأخير، وتقديم ما حقه التأخير يفيد الحصر والتوكيد، فما لهم من أي علم بذلك، وإنما هي محض دعوى لا دليل عليها، بل إن الدليل السمعي والعقلي والفطري والحسي يدل على نقيضها من وحدانية الله، عز وجل، وأحديته، فهو الغني عن عباده المغني لهم فكيف يحتاج إلى صاحبة أو ولد من جنسهم؟!!!، ومجرد الجواز العقلي لا يكفي في إثبات القضية، فللمعارض أن ينقضها بنفس المسلك، فدعوى مقابل دعوى، فلا بد من دليل مرجح ينقل القضية من الجواز إلى الوجوب، فكيف إذا كانت القضية في نفسها: محالة، لما فيها من إثبات النقص والحاجة للرب، جل وعلا، والرب المستحق للعبادة لا يكون إلا كاملا في ذاته كاملا في وصفه، إذ لو كان محتاجا إلى غيره، لما صح في الأذهان دعاؤه وطلب قضاء الحوائج منه، إذ كيف تطلب الحوائج ممن لا يستقل بحوائجه أصلا وإنما يفتقر إلى الأسباب؟!!، ولذلك أكد القرآن على أوصاف النقص الذاتي في المعبودات الباطلة في مقابل أوصاف الغنى الذاتي في المعبود الحق، جل وعلا، لبيان وجه استحقاق الله عز وجل، كمال التأله بأفعال العباد، فرعا على كمال ربوبيته بأفعاله الصادرة من كمال صفاته الفاعلة، فقال عز وجل:

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ).

فصدر الآية بأداة نداء البعيد التي تشعر بغفلة المخاطَب، فـ: (مَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ)، و: (مَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ). وتشعر بعظمة المخاطِب، جل وعلا، فالبعد المعنوي فيها ثابت للخلق سلباً وللخالق عز وجل إيجابا.

وحذف الفاعل للعلم به، فتقدير الكلام: ضرب الله مثلا.

ونكر "المثل" تعظيما، فهو مثل عظيم النفع لمن تدبره، وفيه من اللطافة والغرابة ما فيه.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير