[جهود الأشاعرة في علم البلاغة - الباقلاني نموذجا]
ـ[عمر خطاب]ــــــــ[11 - 03 - 2009, 10:47 ص]ـ
جهود الأشاعرة في علم البلاغة – الباقلاني نموذجًا
التعريف بالباقلاني:
هو: محمد بن الطيب بن محمد بن جعفر بن القاسم، القاضي، أبو بكر الباقلاني البصري، المتكلم المشهور، ولد سنة 338 هـ ونشأ بمدينة البصرة، كان تلميذا لأبي الحسن الأشعري، مؤيدا لمنهجه واعتقاده، وناصرا طريقته ... كان أوحد زمانه، وانتهت إليه الرياسة في مذهبه، وكان موصوفا بجودة الاستنباط، وسرعة الجواب، كثير التطويل في المناظرة، مشهورا بذلك عند الجماعة. وقد ساهم في علوم عديدة حتى أطلق عليه (سيف أهل السنة في زمانه، وإمام متكلمي أهل الحق في وقته، ولسان الأمة، المتكلم على مذهب المثبتة وأهل الحديث، وطريقة أبي الحسن الأشعري).
وقد وجهه عضد الدولة سفيرًا عنه إلى ملك الروم، فجرت له في القسطنطينية مناظرات مع علماء النصرانية بين يدي ملكها.
وللباقلاني مؤلفات عديدة تقارب الخمسين كتابا كما ذكرتها كتب التراجم التي ترجمت له، وأهمهما: (إعجاز القرآن الكريم) و (الإنصاف) و (دقائق الكلام) و (الملل والنحل) و (هداية المرشدين) و (الاستبصار) و (التمهيد، في الرد على الملحدة والمعطلة والخوارج والمعتزلة) ... وغير ذلك.
توفي رحمه الله ودفن في بغداد سنة 403 هـ
جهود الباقلاني في البحث البلاغي:
اهتم كتابه إعجاز القرآن بقضايا الإعجاز القرآني، وهو من أنضج الكتب التي ألف حول الإعجاز، إلا أنه في الوقت ذاته من المصادر البلاغية الأساسية، التي أسهمت في تحديد مسار البلاغة.
إن القضايا البلاغية ومباحثها المتعددة، تختلط في الكتاب بالقضايا الكلامية اختلاطا متوازنا، فتنفرد القضايا البلاغية ببعض الفصول، وكذلك الفصل الطويل الذي خصصه للحديث عن البديع من الكلام، وذلك في الفصل الأخير عن (وصف وجوه البلاغة) الذي يتتبع فيه وجوه البلاغة العشرة، التي سبق أن أوردها الرماني في كتابه (النكت في إعجاز القرآن).
وتنفرد القضايا الكلامية ببعض فصول الكتاب، كذلك الفصل الذي عده في أول الكتاب عن: أن نبوة النبي صلى الله عليه وسلم معجزتها القرآن، والبعض الثالث من فصول الكتاب شركة بين القضايا البلاغية والقضايا الكلامية، كالفصل الذي كتبه عن (جملة وجوه إعجاز القرآن) حيث يحصر الإعجاز القرآني في هذا الفصل في مجموعة وجوه، بعضها كلامي، وبعضها بلاغي.
والذي يهمنا هو التعرف على المباحث البلاغية في كتابه (إعجاز القرآن) ومدى تمثلها لطبيعة عصره، وأن نتعرف على إسهاماته في تطوير البحث البلاغي من ناحية أخرى.
ونظرة فاحصة ي الفصل الذي عقده الباقلاني في (جملة وجوه إعجاز القرآن) نجد أن حدد وجوه الإعجاز في ثلاثة وجوه أساسية، ينقلها عن أساتذته الأشاعرة.
أولها: إخباره الصادق عن الغيوب، الأمر الذي يخرج عن طوق البشر واستطاعتهم.
وثانيها: إخباره عن قصص الماضيين وسِيَر الأمم الخالية منذ عهد آدم عليه السلام، وحتى بعثة النبي صلى الله عليه وسلم على الرغم من أمية الرسول صلى الله عليه وسلم، وعدم معرفته شيئا من كتب المتقدمين، وقصصهم وأخبارهم.
وثالثها: نظمه البديع، وتأليفه العجيب، وبلاغته المتناهية التي يعجز البشر عن محاكاتها.
بيد أن الباقلاني لا يقف طويلا أمام الوجهين الأولين، بل يوجه جل عنايته إلى الوجوه الثالث (البلاغي) حيث يحاول بطريقته الخاصة – طوال الكتاب – أن يثبت تميز الأسلوب القرآني، والبلاغة القرآنية على أسلوب البشر وبلاغتهم، وينهج في ذلك نهجا جديدا مغايرا للمناهج التي انتهجها السابقون في إثبات الإعجاز البلاغي للقرآن.
فهو يرفض فكرة إثبات الإعجاز البلاغي للقرآن عن طريق ما فيه من بديع، وذلك لأنه على حد تعبيره: «لا سبيل إلى معرفة إعجاز القران من البديع الذي ادّعوه في الشعر ووصفوه فيه وذلك أن هذا الفن ليس فيه ما يخرق العادة ويخرج عن العرف بل يمكن استدراكه بالتعلم والتدرب به والتصنع له كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق في البلاغة وله طريق يُسلك ووجه يِقصد وسلم يُرتقى فيه إليه «([1]) أي: أن البديع ببساطة لا يخرج عن طوق البشر، فلا يعجز أي إنسان أن يأتي في كلامه بتشبيه أو استعارة، أو طبا؛ لأن البديع في حد ذاته غير معجز، وإنما المعجز هو الصورة الباهرة التي وجد عليها في
¥