أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ: طباقات متتالية: (مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ)، (وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ)، (وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ)، (وَعَائِلًا فَأَغْنَيْنَاكَ): وهي مما يزيد المعنى وضوحا، وفيه مزيد إقرار بفضل تلك العصابة المؤمنة، إذ بضدها تتميز الأشياء، فبالكذب تعرف فضيلة الصدق، وبالعيلة تعرف عافية الغنى .......... إلخ.
أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنْ الدُّنْيَا تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ:
استفهام عتاب، ويقال في غير هذا الموضع بأنه: إنكاري توبيخي، لأن ما بعده قد حصل فعلا، فهم كبقية البشر تعتمل في نفوسهم النوازع، ولكنهم سرعان ما يؤوبون إلى الجادة فهم معدن الفضل والخير، ولذلك حسن أن يقال من باب التأدب أنه: استفهام عتاب.
يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ: نداء البعيد تعظيما لشأنهم فهم أعظم من أن تلتفت نفوسهم الشريفة إلى عرض من أعراض الدنيا الحقيرة.
لُعَاعَةٍ: تنكير يفيد التحقير فهي لعاعة حقيرة لا يلتفت إليها أمثال الأنصار رضي الله عنهم.
أَفَلَا تَرْضَوْنَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِحَالِكُمْ:
عتاب آخر، يزداد جزالة إذا ما قدرنا جملة تناسب المقام بعد همزة الاستفهام عطف ما بعدها عليها بالفاء: فيقال مثلا: أزهدتم فيما عند الله من الكرامة فلا ترضون .......... ، فيكون في الكلام إيجاز بالحذف، وهذا اختيار الزمخشري، رحمه الله، في مثل هذه المواضع التي تتقدم فيها الهمزة، لأن لها الصدراة مطلقا حتى على العاطف، فهو لا يسلم بذلك بل يقدر جملة محذوفة على التفصيل المتقدم.
الأنصار شعار والناس دثار:
تشبيهان بليغان حذف فيهما أداة التشبيه ووجه الشبه، فتقدير الكلام: الأنصار كالشعار وهو ما يلي البدن من الثياب، ووجه الشبه: شدة الملابسة، فمجاورتهم النبيَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنزلة القلبية والدار المكانية كمجاورة الشعار البدنَ، وفي تسميته شعارا: مجاز علاقته المجاورة إذ هو يجاور شعر البدن فاشتق له اسم منه.
والناس دثار: وهو التالي الشعار، ويقال فيه ما قيل في التشبيه الأول من جهة التركيب، فهم كالدثار في تلو منزلتهم منزلة الأنصار.
وفي تتالي التشبيهين: مقابلة بين الأنصار من جهة، وبقية الناس من جهة أخرى، ويقال فيه أيضا: بضدها تتميز الأشياء، فمنزلة الأنصار تتميز بمعرفة منزلة بقية أحياء العرب ممن استجابوا لله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وفي "شعار" و "دثار": سجع غير متكلف يضفي على الألفاظ رونقا، فتميل له أذن السامع.
اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْأَنْصَارَ وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ:
إظهار في موضع الإضمار، فلو قيل اختصارا: اللهم ارحم الأنصار وأبناءهم وأبناء أبنائهم، لصح المعنى، ولكنهم قوم تسعد النفس بجريان ذكرهم على اللسان شأنهم في ذلك شأن: أي حبيب يلتذ بذكر محبوبه.
والله أعلى وأعلم.
ـ[عربية 500]ــــــــ[14 - 11 - 2008, 03:58 م]ـ
مشكور أستاذي الفاضل
جزاك الله عني كل خير ورزقك الجنة
اللهم يسر له أمره وأبسط له ورزقه ولا تريه مكروه أبدا
وأسعده في الدنيا والأخرة اللهم امين