تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ينزل: الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى فالتضعيف يدل على تكرار النزول وتتابعه، وذلك بمقام المنة أليق.

الغيث: مسبب أريد به سببه، وهو المطر إذ هو سبب الغوث الذي منه تستمد الحياة الحيوانية الحساسة والحياة النباتية النامية أسبابها. فيكون في السياق مجاز مرسل عند من يقول بالمجاز علاقته المسببية.

مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا: أدعى لاستحضار مقام امتنان الرب، جل وعلا، على الكائنات، كما أشار إلى ذلك أبو السعود، رحمه الله، إذ الغوث بعد الشدة أعظم أثرا من غوث لا شدة قبله.

وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ: استعارة النشر الحسي للنشر المعنوي، أو يقال بأن الرحمة كناية عن المطر، فيكون في السياق نوع مجاز إذ أطلق السبب، وأراد المسبب، فإن رحمة الله، عز وجل، رحمة غير مخلوقة هي صفته العلية، وتلك غير مخلوقة، إذ هي وصف قائم بالذات القدسية المنزهة عن الحدوث يعد العدم، فالمطر مسبب عنها.

أو يقال بأن المطر من: الرحمة المخلوقة كالجنة التي يرحم الله، عز وجل، بها من شاء من عباده، ورحمة الغيث محل البحث، ورحمة النبوة في نحو قوله تعالى: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آَتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا).

وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ: حصر بتعريف الجزأين: "هو"، و: "الولي"، والتغاير في الأوصاف التي اشتقت منها الأخبار المتتالية: "الولي" و: "الحميد": من باب الزيادة في الثناء بزيادة أوصاف الكمال الثبوتية، وهو الأصل في هذا الباب، كما تقدم، فزيادة أوصاف الممدوح الثبوتية مئنة من كماله، ومن أحق من الباري، عز وجل، بكل مدح مطلق؟!!، وهو الذي اتصف بكل كمال مطلق أزلا وأبدا، فلم يحدث كمالا كان معطلا عنه فصفات الذات وأنواع صفات الأفعال أزلية أبدية وإن كانت أفراد الأفعال حادثة متعلقة بمشيئته النافذة فيخلق إذا شاء متى شاء، ويرزق إذا شاء متى شاء .............. ، ولم يفارقه كمال كان متصفا به، فله كمال صفات الذات والأفعال، أزلا وأبدا، كما تقدم.

والتذييل بهذين الاسمين مما يتلاءم مع سياق الامتنان على العباد، فهو الولي الذي يتولَّى عبادَهُ بالإحسان ونشرِ الرحمة {الحميد} المستحقُ للحمدِ على ذلك لا غيرُهُ، كما أشار إلى ذلك أبو السعود رحمه الله.

والحميد: اسم جامع لكل خصال الجمال، والمقام مقام تفضل وامتنان برحمة منزلة من السماء، وذلك بصفات الجمال أليق، وهي التي يتعلق بها رجاء العباد، بخلاف صفات الجلال التي يتعلق بها خوف العباد وخشيتهم.

وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ:

ومن آياته: تقديم المسند وحقه التأخير تشويقا إلى المسند إليه.

خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ: تقديرا فإيجادا.

وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ: عموم دلت عليه النكرة: "دابة" في عموم نفي "ما" المؤكد بـ "من" التي تفيد التنصيص على العموم.

فخلق الجهة والمكان وخلق الكائنات التي تحلق فيها وتدب عليها.

وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ: قدرة في سياق لا مفهوم له، ليقال بأن من الأشياء ما يقدر عليه الباري، عز وجل، ومنها ما لا يقدر عليه، كما ادعى نفاة القدر الذين نفوا خلق الباري، عز وجل، أفعال العباد، فهي عندهم غير مقدورة له، ومن توسط منهم قال بأن الخير مقدور له دون الشر، والصحيح أنه، جل وعلا، خالق الخير والشر، الطاعة والمعصية، فالأولى مقدورة له كونا وشرعا، والثانية مقدورة له كونا، وإن لم يرضها شرعا، وإنما أوجدها لحكمة إلهية تفوق مفسدة وقوعها، فالأولى مرادة لذاتها، والثانية مرادة لغيرها، ورد هذه الاشتباه إلى إحكام نحو قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): أصل في هذا الباب.

والله أعلى وأعلم.

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير