تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والجواب: أن هذا من أسرار الكتاب ومن فتح عباراته أن نقول ونحن نسميه: ظن وأخواتها بين الاستعمال والإلغاء، اتضح العنوان إذن، وفهمنا أن مراد سيبويه -عليه رحمة الله- بقوله هذا باب الأفعال التي تستعمل وتلغى، أنه يتعرض بشيء من أحكامه ظن وأخواتها، يقول -عليه رحمة الله-: هي ظننت ولعلك تقف عند تعبير سيبويه، وهذا دأبه، أنه إذا مثل بالفعل ذكر معه الفاعل، وهذا على عكس ما تسمع من كثيرٍ من الناس، حين يقول لك: كان، وأصبح، وظل، وصار ... يسردها سردًا، تقول -وأنت دارس الدراسات العليا-: ظننتُ: ظنّ فعل ماض، والتاء فاعل. أهذا يا سيبويه فعل الجواب؟ نعم، وأنا أخاطبك -عاشق العربية- فأقول لك: اعلم أن التاء اتصلت بالفعل، فلما اتصلت بها حدثت أمور أنت تعرفها، ألا ترى أن "ظن" بنيت على الفتح المقدر الذي منع من ظهوره سكون عارض؛ جاء كراهية أن تتوالى المتحركات فيما هو كالكلمة الواحدة، ألم يقل النحاة ذلك؟ ألم تراجع ابن هشامٍ في شرحه (ألفية ابن مالك)؟ الجواب: بلى.

ما معنى فيما هو كالكلمة الواحدة؟

يعني أن اتصال الفاعل وهو التاء بالفعل وهو ظن جعل الصورة صورة كلمةٍ واحدة ويذكر فيها أن تتوالى المتحركات، فتقول: ظننات، ظاء مفتوحة والنون مفتوحة والنون الأخرى من ظن أنها مفتوحة، ثم تأتي تاء الفاعل، وأنت تعرف أن هذه التاء قد تكون مضمومة في نحو: ظننتُ، وقد تكون مفتوحة في نحو: ظننتَ، إذا كنتَ تخاطب مذكرًا، وتقول ظننتِِ، والتاء تاء فاعلٍ وهي مبنية على الكسر، ولا تظن أن التاء للتأنيث كما يظن صغار التلاميذ، وإنما تاء الفاعل متحرِّكة، تقول ظننتُ أي: أنا، وتقول ظننتَ أي أنتَ، وتقول ظننتِ يا فاطمة أي: أنتِ، كل هذه حركات لتاء الفاعل.

يذكر سيبويه الفعل:

وحين يذكر سيبويه -عليه رحمة الله- الفعل ومعه فاعله، فاعلموا -وفقكم الله تعالى- أن الرجل حريص على بناء العربية، فكأنه يذكر جملة إذ ذكر كلمة، وكأنه يريد أن يتم الكلام؛ ليستقيم على اللسان لفظه ومعناه معًا، ألا ترى إلى قوله ونحن نقرأ معه: هي ظننت، وحسبت، وخلت، وأريت، ورأيتن أو ورأيت، وزعمت، أو زعمت أو زعمت، ثم يقول لك: وما يتصرف من أفعالهنًّ، في هذه العبارة ذكر سيبويه ظن، وحسب وحسب وفيها لغتان، وخال ورأى وزعم.

ثم نبهنا إلى حقيقةٍ طالما غفل عنها كثير من الناس، وهي قوله: "وما يتصرف من أفعالهن" ما مراد سيبويه بقوله وما يتصرف من أفعالهن؟

إن هذه الأفعال التي تستعمل وتلغى، ظن ويأتي منه يظن، وحسب ويحسب ويحسب، وخال وإخال ويخال، أي: أن المضارع والأمر وما يتصرف من هذه الأفعال كهذه الأفعال، الملاحظ أن سيبويه يذكر الأفعال على هيئة ماضيها، يعني بعد أن يقول هذا باب الأفعال التي تستعمل وتلغى.

يقول: هي ظننتُ ظننتَ، يسند الفعل إلى الفاعل، وهو تاء الفاعل للمتكلم، ويقول: حسبت وكأنه يقصد أن الماضي يعبر به ويراعى فهو أصل الفعل، ثم يحمل عليه مضارعه، وأمره، بل واسم الفاعل منه، وكل ما يتصرف من هذه الأفعال يعمل ويلغى، وهو معنى الباب.

صور استعمال هذه الأفعال

الآن نحن نقول: ما معنى استعمال هذه الأفعال؟ وما معنى إلغاء هذه الأفعال؟

أما استعمالها فتستعمل على وجهها من رفع الفاعل، ونصب المفعولين، إذن ننتبه إلى هذه الحقيقة أن المثال ظننت زيدًا قائمًا، ظن: فعل ماضٍ مبني على الفتح المقدر كما عرفنا، والتاء فاعل، وزيد مفعول به أول منصوب بفتحةٍ ظاهرة، وقائمًا مفعول به ثانٍ منصوب بالفتحة الظاهرة.

ما اسم هذا التركيب؟

تركيب عربي، بدأ فيه بظن، بني على فعلٍ، والفعل يطلب فاعلًا يرفعه، ويعمل فيه الرفع، ولما كان هذا الفعل "ظن" عمل في فاعله فرفعه، ولا إشكال وعمل في المفعولين فنصبهما، فأنت تقول: ضربت زيدًا، ضرب: فعل ماضٍ مبني -كما قلت لك- على الفتح المقدر؛ كراهية اجتماع الحركات فيما هو كالكلمة الواحدة. وزيدًا: مفعولًا به منصوب بالفتحة الظاهرة. والأسلوب تام ولا يحتاج إلى ما يتمه، فإذا ما قلت: ظننت زيدًا قائمًا وراعيت أصل الوقف، فأنت تقف على المنون المنصوب بالألف.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير