تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

4 - وهناك أيضا قراءة بتشديد (لمّا) وتخفيف (إن) تنسب لحسن، وأبي بكر -أيضا- عن عاصم.

وقد اختلف في الإعراب على أوجه كثيرة باختلاف القراءة، حتى في القراءة الواحدة حتى قال صاحب إعراب القرآن محي الدين الدرويش أن هذه الآية مشكلة جدا عند النحاة، وقد تناولها ابن هشام في مغنى اللبيب، وأبو حيان في تفسيره البحر المحيط والعكبري، وغيرهم، كذلك بعض كتب التفاسير كالقرطبي.

والمختار عندي من الإعراب في قراءة التشديد وهي قراءة حفص عن عاصم المتداولة عندنا ومن معه ما ذكره ابن الحاجب في أماليه، وتبعه أبو حيان،، بأن (لمّا) أداة جزم حذف فعلها، وتقديره عند ابن الحاجب: لمّا يهملوا أو لمّا يتركوا، وعند أبي حيّان: لمّا ينقص، وذلك لدلالة المعنى عليه.

أما ابن هشام فقدّر: لمّا يُوَفوا.

وقد استبعد العكبري ذلك قائلا: ولايجوز أن تكون " لما " بالتشديد حرف جزم ولا حينا لفساد المعنى".

أما محي الدين عبد الحميد فاختار ما نهجه الزجاج لسهولته من أنّ (لمّا) المشدة بمعنى (إلا)، وما بعدها من قسم مقدم، وجملة الجواب (ليوفينهم) خبر (إنّ).

وهناك أوجه عديدة خرجت بها هذه القراءة - قراءة التشديد - وقد دفعها كلها أبو حيّان ونزه القرآن عنها، واختار مايراه وابن الحاجب.

الكسائي وقراءة التشديد (لمّا):-

بحثت في بعض الكتب فوجدت مثلا في تفسير القرطبي: وقال الكسائي:"اللَّه أَعْلَم بِهَذِهِ الْقِرَاءَة، وَمَا أَعْرِف لَهَا وَجْهًا وذكر أيضا عنه:"وَقَالَ هُوَ وَأَبُو عَلِيّ الْفَارِسِيّ: التَّشْدِيد فِيهِمَا مُشْكِل ".

ونقل عنه أبو حيّان في البحر المحيط قوله عن هذه الآية: ما أدري ما وجه هذه القراءة.

أمّا المبرد فقال إن هذا لحن؟؟

وفي حديثه عن قراءة نافع وابن كثير بتخفيف (إنْ - لمَا)، ذكر القرطبي في تفسيره:"وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْكِسَائِيّ وَقَالَ: مَا أَدْرِي عَلَى أَيّ شَيْء قُرِئَ " وَإِنْ كُلًّا ".

أقول وبالله التوفيق، ما قاله الكسائي عن قراءة نافع وابن كثير لا يرد به القراءة، بل يستحيل أن يُفهم منه أن الكسائي يرد القراءات المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن على ما أراه أنه ينكر تخريج ذلك على قواعد العربية، أي لا يرى لها وجها من أوجه الإعراب، وهذا يتماشى مع مذهبه الكوفي، لأن الكوفيين لا يرون بتخفيف (إنْ) مع بقاء عملها، فعندهم إذا خففت (إنْ) بطل عملها في النصب، خلافا للبصريين في جواز عملها، وإبطاله إذا خفّفت، وهي مسألة خلافية تناولها أبو البركات في كتابه الإنصاف في مسائل الخلاف.

فهو إذن ينكر النصب في هذه القراءة مع تخفيف (إنْ) تماشيا مع مذهبه.

أما قراءتنا - أعني التي عليها السؤال- فهو ينكر تشديد (لمّا)، وعلى ما أرى أنه أنكر لذلك لأسباب افترضتها آمل أن ألتمس فيه وجه الانكار، وهي:

1 - أنه-رحمه الله- لم تعجبه التخريجات العديدة لهذه الآية - تشديد (لمّا) - فمنهم من حملها على أنها بمعنى (إلا) التي هي للاستثناء، ومنهم من يرى أنها مصدر لممت (لمًّا) حذف التنوين منه، ومنهم من يرى أنها زائدة لتفصل بين اللامين، وغيرها من التخريجات، وهو ليس وحده في ذلك فأبو حيان وقد أتي بعده بمئات السنوات حينما عرض التخريجات والإعرابات العديدة لهذه الآية قال:"وهذه كلها تخريجات ضعيفة يُنزهُ عنها القرآن".

2 - أنه - رحمه الله- يرى بمجيء (لمّا) بمعنى (إلا) موافقا سيبويه و الخليل-رحمهما الله- وهي قليلة الدور في كلام العرب، وقد اشترطوا لها شروطا كأن تدخل على الماضي لفظا، أو على الجملة الاسمية كما نص ابن هشام في المغني، وتكون بعد قسم، أو نفي كما نص ابن يعيش في شرح المفصل، والسيوطي في الهمع.

فمن ذلك قوله تعالى:"إن كلُّ نفسٍ لمّا عليها حافظٌ"، بقراءة التشديد، فتكون بمعنى إلا.

وعلى ذلك فلعله يرى أنّ حمل (لمّا) بمعنى (إلا) لا ينطبق على الآية التي في سورة هود، لأنها لم تسبق لا بنفي بل سبقت بـ (إنّ) المشددة التي هي للتأكيد، ولا بقسم بل أتى القسم بعدها (ليوفينهم)، ولم تدخل على الماضي بل على المستقبل (ليوفينهم)، ولا على جملة اسمية بل فعلية وهي جملة القسم المقدر (أقسم)، لذلك أنكر تخريجها على كلام العرب.

وقد قرأ هو وابن كثير ونافع وأبو عمرو وغيرهم بتخفيف (لمّا) في قوله تعالى:"إن كلُّ نفسٍ لمَا عليها حافظ "، وهذا لعله دليل على حمله هذه الآية على تلك لذلك قرأ في الآيتين على التخفيف.

وعلى حملها بمعنى (إلا) قال الطبري في تفسيره:" وَوَجَدْت عَامَّة أَهْل الْعِلْم بِالْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُونَ هَذَا الْقَوْل".

وقد يسأل سائل لماذا لم يحمل الكسائي (لمّا) على أنها جازمة حذف فعلها؟

هذا وتختص (لمّا) الجازمة من بين أخواتها التي تجزم فعلا واحدا (لا الجازمة الشرطية) بحذف فعلها جوازا واختيارا، وقد نص على ذلك ابن هشام في المغنى بأن مما تفترق به (لمّا) عن (لم) الجازمتين أنه يجوز لك حذف مجزومها بخلاف (لم) الي لايحذف مجزومها و قول الشاعر:

احفظ وديعتك التي استودعتها **يوم الأعازب إنْ وصلت وإنْ لمِ

أي: لم تصل، فحذف الفعل وهذا لا يجوز، عده ابن هشام ضرورة.

ومن حذف (لمّا) قول الشاعر:

فجئت قبورهم بدءا ولمّا ** فناديت القبورَ فلم يُجِبنَهْ

ابن الحاجب حينما ذكر إعرابه اعترف بأن هذا الإعراب تستبعده النفوس، لأنه لم يقع بالقرآن شيئا مثله، اقرأ ماذا قال ابن الحاجب في أماليه بعد أن عرض توجيهه الذي لم يسبق إليه أحد:" وما أعرف وجها أشبه من هذا، وإن كانت النفوس تستبعده من جهة أن مثله لم يقع في القرآن، والتحقيق يأبى استبعاده لذلك".

وهذا لعله ما حمل الكسائي، والعكبري، على عدم جعلها (لمّا) الجازمة محذوفة الفعل، إذ الحذف لم يقع في القرآن أولا، ولا يعني جواز الحذف كثرته واطرادهم في كلام العرب، بل هو قليل أيضا ولكنه جائز.

هذا والله أعلم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير