تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

عَلِيماً حَكِيماً. وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ المَوْتُ قَالَ إِنَّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً ((58)، فالنص ينفي التوبة عن الذين يصرون على الذنوب إلى الوقت الذي لا تقبل فيه توبتهم وهو معاينتهم للموت، وهذا يعني أن من مات على غير توبة مخلد في النار، لأن: الذين يعملون السيئات، معطوف على الذين يموتون وهم كفار، وهو ما اعتمد عليه الزمخشري قائلاً: ولا يموتون وهم كفار عطف على الذين سوَّفوا توبتهم إلى حضرة الموت وبين الذين ماتوا على الكفر في أنه لا توبة لهم" (59)، وبهذا العطف فإن مرتكب الكبيرة مخلد في النار عند الزمخشري إذا مات على غير توبة.

فموضع "الذين" جر بالعطف على قوله: "وليست التوبة للذين يعملون السيئات ولا الذين يموتون وهم كفار" (60)، وهذا الإعراب يؤيد مذهب الزمخشري.

أما الأشعرية فإنهم نظروا إلى النص في إطار سياقه العام، قال الكلبي: "فإن كانوا كفاراً فهم مخلدون في النار بإجماع، وإن كانوا مسلمين فهم في مشيئة الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم" (61)، وقد عرض الإمام الرازي إلى تفسير هذه الآية في رده على الوعيد به بعد أن ذكر حجتهم فقال: " ... فعطف الذين يعلمون السيئات على الذين يموتون وهم كفار، والمعطوف مغاير للمعطوف عليه، فثبت أن الطائفة الأولى ليسوا من الكفار، ثم إنه تعالى قال في حق الكل: (أُولَئِكَ أعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيمَاً (، فهذا يقتضي شمول هذا الوعيد للكفار والفساق، ثم أخبر تعالى أنه لا توبة لهم عند المعاينة فلو كان يغفر لهم مع ترك التوبة لم يكن لهذا الإعلام معنى" (62) ويقتضي هذا التأويل عند المعتزلة أن من مات بدون توبة يخلد في النار.

وقد رد الإمام الرازي (63) هذا الفهم بما سماه بالعموميات، فأشار الكلبي إليها بقوله: "إن العذاب ثابت في حق الكفار ومنسوخ في حق العصاة من المسلمين، بقوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشاءُ ((64)، فعذابهم مقيد بالمشيئة" (65)، ومنه أيضاً المطلق والمقيد والعام والخاص وغير ذلك مما أشرت إليه سابقاً، وأطلقت عليه آليات سياق الخطاب الديني، وهذه القواعد أو الأصول هي التي يجب أن تراعى بعين الاعتبار أثناء التعرض للدلالة النحوية والالتزام بها عند المتأمل لأن عملية التأويل في الكلام الإلهي تقتضي ذلك.

ويتبين مما سبق موقف الأشعرية وأهل السنة من التفسير الاعتزالي الذي يتجه إلى النص القرآني ويتناوله من أوجه متعددة، والتعرض لجزئيات العقيدة وكان الغرض الذي يحدوهم هو التمكين لعقيدة الإسلام ونصرها وتأييداً لهيمنة سلطانها وهو تفسير منهجه في الاتجاه إلى اللغة والاعتماد عليها وتتبع سير خطاها فيما تتناوله من دلالات.

وقد استغل المعتزلة (66) الظاهرة اللغوية ودلالة حروف المعاني أثناء تعرضهم لآيات الأحكام، كما استغلها غيرهم أيضاً، فالتخصيص بالاستثناء بعد الجمل المتعاطفة بالواو –مثلاً –اختلف فيه علماء الأصول، وذلك كقوله: أنفق على حفاظ القرآن وأوقف على طلاب العلم إلا المقيمين، اختلفوا في ذلك: هل يعود الاستثناء إلى جميع ما ذكر قبل إلا؟ أو يعود إلى الجملة الأخيرة فحسب؟

فإذا لم تكن هناك قرينة تدل على أن المراد هو الجملة الأخيرة فهو الأولى، فإنه في هذه يقع الاختلاف في الدلالة، ومنه يلجأ إلى التأويل ومثل السرخسي لما دلت القرينة على صرفه بقوله تعالى: (وَالذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلاَ يَزْنُونَ، وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَ ثاماً يُضَاعَفْ لَهُ العَذَابُ يَوْمَ القِيَامَة وَيخْلُدْ فِيْهَ مُهَاناً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ((67)، فإنه استثناء من الجميع" (68) لأن التوبة تقبل من الجميع اتفاقاً، وهذا المعنى مأخوذ من نصوص وأدلة أخرى كقرائن صارفة، وهذا فيما يتعلق بالتوبة، أما ما دلت القرينة على رجوعه إلى الجملة الأخيرة فقط كقوله تعالى: (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيْرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير