ولا اظن احداً من الباحثين القدامى او المحدثين قد اجاز جعل هذه اللغة لغة قياسية. والأمر الثاني: هو أنَّ لحوق الفعل المسند للظاهر المتعدد علامة تدل على تعدد الفاعلين انما يمثل مرحلة اولية من مراحل اللغة العربية، وقد أشار الدكتور سليم النعيمي إلى هذه الظاهرة حيث قال: (ولابد ان نشير هنا إلى أنَّ الفعل قد كان يطابق الفاعل في الجنس او العدد تقدم عليه او تأخر عنه، ثم اصبح بفعل التطور يطابقه اذا تأخر عنه فقط، ويدلنا على ذلك هذه البقية من اللهجات التي يسميها النحويون: لغة اكلوني البراغيث) (37)
وعلى الرغم من ذهابنا الى ان (لغة اكلوني البراغيث) لغة قديمة وان العربية الفصحى قد تخطتها في مراحلها المتطورة. الا ان هذه اللغة قد بقي لها اثر في العربية وخاصة في لغة الشعر، وذلك واضح في شواهد شعرية استدل بها النحاة على هذه اللغة، وهذه الشواهد لشعراء جاهليين و اسلاميين من امثال عروة الورد وعبيد الله بن قيس الرقيات و الفرزدق. ولم يقتصر اثر هذه اللغة على شعر شعراء الطبقات الأولى ممن دأب النحاة على الإستشهاد بشعرهم بل تعدى ذلك إلى شعر الشعراء المولّدين امثال أبي نؤاس والبحتري وأبي فراس الحمداني والشريف الرضي.
قال ابو نؤاس: وَكَأَنَّ سُعدى إِذ تُوَدِّعُنا وَقَدِ اِشرَأَبَّ الدَمعُ أَن يَكِفا
رَشَأٌ تَواصَينَ القِيانُ بِهِ حَتّى عَقَدنَ بِأُذنِهِ شَنَفا (38)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
(35) البيان في غريب إعراب القرآن لأبن الأنباري 2/ 137
(36) الإقتراح 14 - 15
(37) مجلة المجمع العلمي العراقي. المجاد (24). بحث للدكتور سليم النعيمي بعنوان (نقد الكتب) ص 302
(38) ديوان ابي نؤاس، ص432، تحقيق احمد عبد المجيد الغزالي
وقال البحتري: كِدنَ يَنهَبنَهُ العُيونِ سِراعاً فيهِ لَو أَمكَنَ العُيونَ اِنتِهابُه (39)
وقال ابو فراس: نتج الربيع محاسناً القحنها غرّ السحائب (40)
وقال الشريف الرضي: نَهَضتُ وَقَد قَعَدنَ بِيَ اللَيالي فَلا خَيلٌ أَعَنَّ وَلا رِكابُ (41)
(ومما تجدر الاشارة اليه انَّ (لغة اكلوني البراغيث) مازال لها اثر في لهجاتنا الحديثة، فنحن العراقيين مثلً نلحق الفعل علامة تدل عدد الفاعلين سواء أكان الفاعل متقدماٍ على الفعل ام كان متأخراً عنه، كالذي يفعله أهل (لغة اكلوني البراغيث) فنقول مثلاً: (ذهبوا الأولاد) و (حضروا الضيوف) وهذا مما يجعلنا نذهب الى انَّ كثيراً من اللهجات العامية له اصل في اللغة العربية الفصحى اما اصل عربي قديم. واما اصل فصيح مستعمل) (42)
وختاماً:
إنَّ (لغة اكلوني البراغيث) هي لغة خاصة باقوام من العرب هم طيّىء وازدشنوءة وبنو الحارث بن كعب وان المقصود بهذه اللغة ان الفعل المسند للظاهر تلحقه علامة تدل على عدد الفاعل. فان كان الفاعل مثنى لحق الفعل (الف) نحو سافرا الرجلان. وإن كان جمعاً لحقته (الواو). نحو: سافروا الرجال. وإن هذه اللواحق علامات للعدد تشبه علامة التأنيث التي تلحق الفعل المسند إلى المؤنث التي هي تاء التانيث، وان هذه اللغة قد قلّت في العربية الفصحى التي دوِّن بها تراثنا وقلتها تمثل ظاهرة من ظواهر تطور اللغة العربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــ
(39) ديوان البحتري 1/ 116
(40) ديوان أبي فراس الحمداني 2/ 52
(41) ديوان الشريف الرضي 1/ 201
(42) دراسات في اللغة و النحو الدكتور عدنان محمد
المصادر
القرآن الكريم
1 - الاقتراح في علم أصول النحو: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي / ط2/ دار الكتب العلمية /لبنان 1999
2 - اوضح المسالك إلى الفية بن مالك /تح: محمد محي الدين عبد الحميد /المكتبة التجارية الكبرى /مصر /1978
3 - البحر المحيط – ابو حيان اثير الدين محمد بن يوسف الأندلسي /مكتبة النصر الحديثة / الرياض /1989
4 - بغية الوعاة: ابو الفضل جلال الدين عبد الرحمن السيوطي / ط2/ دار الكتب العلمية /لبنان 1999
¥