تقع الحال مفردة كما رأينا، ولكنها تقع كذلك جملة خبرية فعلية أو اسمية، فتكون الجملة في تأويل المفرد، ولا بد حينئذ من رابط يربطها بصاحب الحال: أي بالاسم الذي تصفه الحال. ويكون الرابط أما الواو وحدها كقولك (جاء خالد الريح تعصف) وقوله تعالى:) ولئن أكله الذئب ونحن عصبة –يوسف /14 (، أو الضمير وحده، نحو (خرج زيد يركض)، وقوله تعالى:) وجاءوا أباهم عشاءً يبكون -يوسف /16 (، وأما الواو والضمير معاً كقولك (لِمَ ضربته وهو يأكل)، وقوله تعالى:) ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف - - البقرة /243 (.
واو الحال متى تجب:
يشكل على الكتاب متى تجب واو الحال ومتى تمتنع، وهي تجب في مواضع ثلاثة:
-الأول: أن تكون جملة الحال اسمية خالية من ضمير يربطها بصاحب الحال، كقولك: (جئت والناس نيام) وكقوله تعالى:) ولئن أكله؟؟ ونحن عصبة (.
-الثاني أن يتصدر الجملة الاسمية الضمير العائد لى صاحبها، كقولك (لا تتكلم وأنت تأكل)، وقوله تعالى:) لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى –النساء /43 (.
فقد جاء ربط الجملة الاسمية بصاحب الحال في غاية القوة باجتماع الواو والضمير معاً
وقد ناسب ذلك الجملة الاسمية لقوتها في الاستقلال. وهذا الربط بالواو وحدها أو بها مع الضمير إنما يكون الحال المبينة التي تُذكر للتوضيح والتبيين، وأما في الحال المؤكدة فلا يجوز الواو تقول –هو الحق لا شك فيه –وذل لأن الواو لا تدخل بين المؤكد والمؤكد لشدة الاتصال بينهما، كما جاء في شرح كافية ابن الحاجب للإمام عبد الرحمن الجامي. وسيأتي الكلام على امتناع الواو في الحال المؤكدة.
-والثالث أن تتصدر الجملة الفعلية الحالية، المثبتة أو المنفية، فعل ماض، وهي تخلو من ضمير يعود إلى صاحبها. فإذا كانت مثبتة وجبت معها قد، وجيء بـ (قد) بعد الواو ها هنا، لأنها تقرب الماضي من الحال فيصح أن يقع حالاً، كقولك: (جئت وقد انصرف الناس). وإن كانت منفية انفردت الواو كقولك: (جئت وما طلعت الشمس).
واو الحال متى تمتنع:
الأولى: أن يتصدر الجملة عاطف كقوله تعالى:) فجاءها بأسنا بياتاً أو هم قائلون –الأعراف /3 (أي ليلاً أو نهاراً.
الثانية: أن تقع مؤكدة لمضمون جملة نحو (هو الحق لا شك فيه)، وقوله تعالى:) ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين –البقرة /2 و3 (. وتمتنع الواو هنا لأن المؤكِد نفس المؤكد فتكون معها في صورة المعطوف على نفسه.
الثالثة: أن تكون ماضية بعد (إلا) فتمتنع الواو وقد منفردين ومجتمعين، ويكتفى بالضمير، نحو قوله تعالى:) يا حسرة على العبادة ما يأتيهم من رسول ألا كانوا به يستهزئون –يس /30 (وقوله تعالى) وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين –يوسف /46 (. ونحو قولك (ما تكلم إلا ضحك).
وما جاء بالواو أو قد مخالف للمشهور.
الرابعة: أن تكون الجملة ماضية قبل (أو) نحو قولك (لأضربنّه عاش أو مات) وقول الشاعر (كن للخليل نصيراً جار أو عدلاً). وتمنع الواو هنا لأنها في تقدير الشرط أي (إن عاش أو مات) و (أن جار أو عدل).
الخامسة: أن يتصدر الجملة الحالية مضارع مثبت دون قد، فتربط بالضمير وحده، كقولك (ومضى زيد يكتب رسالته)، فقد جاءت الجملة الحالية كالوصف فعوملت كذلك. فإذا وجدت (قد) اقترنت الجملة بالواو، تقول (قدمت المدرسة وقد يزورني فيها زائر) وعليه قوله تعالى:) وإذ قال موسى لقومه يا قوم لِمَ تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم –الصف /5 (فوجب اقتران الواو هنا لأن دخول (قد) نقض شبه الجملة بالوصف، لامتناع دخولها على الوصف.
السادسة: أن يتصدر الجملة الحالية مضارع منفي بلا، فتمتنع الواو وقد منفردين ومجتمعين، ويكتفي بالضمير وحده، كقوله تعالى:) وما لنا لا نؤمن بالله وما جاءنا من الحق –المائدة /84 (. وتقول على هذا (جاء زيد لا يركب)، وهو في تأويل: جاء زيد غير راكب. وهكذا إذا كان النفي بما على ما هو المشهور. أما إذا كان بلم فإنه يجوز إثبات الواو وحذفها ودليل إثباتها مع الضمير قوله تعالى:) ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو قال أوحي إليّ ولم يُوح إليه شيء –الأنعام /93 (. ودليل حذفها قوله تعالى:) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء –آل عمران /174 (. وإذا كان النفي بلمّا كان الأكثر إثبات الواو كقوله تعالى: "أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الذين
¥