جاهدوا منكم ويعلم الصابرين _آل عمران /142 (.
واو الحال: متى يجوز إثباتها وحذفها:
يجوز إثبات الواو وحذفها في مواقع ثلاثة، فقد مر بنا:
أولاً: أن الأصل في الجملة الحالية الفعلية المرتبطة بالضمير، أن تمتنع فيها واو الحال، إذا تصدرها منفي بما الحالية، هذا هو المشهور، لكن من الأئمة من أجاز إثباتها في هذا الموضع وحكم بصحة قول القائل (جاءني زيد وما يتكلم غلامه). جاء هذا المثال في شرح الإمام الجامي لكافية ابن الحاجب. وقد ساوى بينه وبين حذف الواو في قولك (جاءني زيد ما يتكلم غلامه). وهكذا فعل الإمام جلال الدين السيوطي في (همع الهوامع) إذ قال: "والمنفي بما فيه الوجهان أيضاً نحو: جاء زيد وما يضحك، أو جاء زيد ما يضحك".
ثانياً: وقد تقدم أن الأصل في الجملة الفعلية المثبتة إذا تصدرها فعل ماض، وخلت من ضمير رابط، وجوب إثبات الواو الحالية وقد، كقولك (جاء زيد وقد طلعت الشمس) ويعني هذا أنه إذا وجد الضمير الرابط لم تجب الواو. تقول (جاءني زيد وقد خرج غلامه) و (جاءني زيد قد خرج غلامه)، وقد ساوى الجامي في شرح الكافية بين المثالين.
وأورد النحاة على ربط الجملة بالضمير وقد فقط دون الواو، قول الشاعر:
وقفت بربع الدار قد غيَّر البلى معارفها والساريات الهواطل
والساريات هي السحب تأتي ليلاً.
ثالثاً: ذكرنا الأصل في الجملة الحالية الفعلية المنفية إذا تصدرها فعل ماض، وقد خلت من ضمير رابط وجوب إثبات الواو منفردة، كقولك (جئت وما طلعت الشمس).
أما إذا وجد الضمير الرابط فلا تجب الواو، وعلى ذلك تقول (جاءني زيد وما خرج غلامه) و (جاءني زيد ما خرج غلامه)، وقد ربط الأول بالواو والضمير. وربط الثاني بالضمير وحده وهكذا قولك (رجع خالد وما صنع شيئاً) و (رجع خالد ما صنع شيئاً)، كما أورده الشيخ مصطفى الغلاييني في كتابه (جامع الدروس العربية).
رابعاً: كما ذكرنا أن الأصل في الجملة الحالية الاسمية، المثبتة والمنفية، أن تربط بالواو والضمير معاً إذا تصدر الجملة الضمير العائد إلى صاحبها. ومثال الجملة الحالية الاسمية المثبتة، قوله تعالى:) فلا تجعلوا الله أنداداً وأنتم تعلمون –البقرة /22 (، ومثال المنفية نحو قولك "رجعت وما في يدي شيء". أما إذا لم يتصدر الجملة الضمير العائد إلى صاحبها فقد أجاز النحاة الوجهين إثبات الواو وحذفها، والمشهور الحذف كقوله تعالى في الجملة الحالية المثبتة "اهبطوا بعضكم لبعض عدو –البقرة /36" ومثال المنفية قوله تعالى:) والله يحكم لا معقب لحكمه –الرعد /43 (.
امتناع واو الحال بعد الا عند النحاة إذا تلاها فعل ماض:
الأصل أن تمتنع الواو بعد الا، إذا تصدر الجملة الحالية فعل ماض، كقوله تعالى:) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون –الحجر /13 (، وقوله تعالى:
) ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث إلا استمعوه وهم يلعبون –الأنبياء /2 (. وقد تقدم بحث ذلك فتقول على هذا مثلاً (ما من أحد إلا جزع) فتمتنع الواو بعد الا. وجاء في شرح الأشموني على ألفية ابن مالك أن هناك سبع مسائل تمتنع فيها الواو ومنها الماضي التالي لـ (الا) نحو (ما تكلم الا قال خيراً).
ولكن هل ثمة من يجيز دخول (الواو) بعد (الا) في مثل هذا الموضع؟
أقول: قال الصبيان في تعليقه على الأشموني وتعليله سبب امتناع الواو ها هنا:
"أي لأن ما بعد الا مفرد حكماً"، أي هو مفرد في الأصل لا جملة، لكنه استدرك فقال:
"وذهب بعضهم إلى جواز اقترانه بالواو تمسكاً بقوله:
نعم امرأً هرمٌ لم تعر نائبة * إلا وكان لمرتاع بها وزراً
وحكم الأول بشذوذه، وهذا يعني ذهاب بعضهم إلى جواز اقتران الواو أخذاً بقول الشاعر، أما الأكثرون فقد حملوا بيت الشاعر على الشذوذ.
مجيء واو الحال بعد الا في كلام البلغاء إذا تلاها فعل ماض:
الذي عندي أن الحكم بامتناع الواو أو جوازها بعد إلا إذا تلاها فعل ماض، مرهون باستعمال الفصحاء، فهل جاء في كلامهم اقتران الواو بالفعل الماضي بعد الا.
أقول قد ورد ذلك فيما أُثر عن الفصحاء مورداً متعالماً، ومن ذلك ما جاء في نهج البلاغة، إذ قال:
ووأى على نفسه ألا يضطرب شبح مما أولج فيه الروح إلا وجعل الحمام موعده والفناء غايته (2/ 92 و93). والوأي هو الوعد والحمام هو الموت. وقال:
¥