ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلى وجعل له عَلَماً بادياً وآية محكمة (2/ 133)، وقال:
ما من أحد أودع قلباً سروراً إلا وخلق الله له من ذلك السرور لطفاً (3/ 210) ونحو ذلك كثير في نهج البلاغة.
ومما جاء من ذلك في كتاب (أخلاق الوزيرين) لأبي حيان التوحيدي، قال:
وما رأَّس الله أحداً إلا وفرض عليه الافضال والإحسان (ص /265) وقال:
وما رأيت أحداً سكت عن أحد من سفائهم تغافلا عنه .. إلا ورأيته يقول ويطنب في ابن عباد غير خاشٍ ولا متحاشٍ (ص /474).
فصح بذلك قولك في المثال السابق: (ما من أحد وجزع) باقتران (الواو) بالفعل الماضي.
اقتران واو الحال بعد بعد إلا إذا تلاها فعل ماض:
قد جاء مما تمتنع فيه الواو وقد منفردين ومجتمعين ويكتفي بالضمير أن تقع الجملة الحالية الفعلية بعد إلا ويتصدرها فعل ماض، كقوله تعالى:) ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون –يس /30 (. وجاء في شرح الأشموني (3/ 22) أن (قد) تمنع مع الماضي الممتنع ربطه بالواو وهو تالي الا، وندر قوله:
متى يأت هذا الموت لم يُلف حاجة * لنفسي إلا قد قضيت قضاءها
لكنه جاء في حاشية الصبان: "في شرح الرضي أنهما يجتمعان بعد الا نحو: ما لقيته إلا وقد أكرمني –3/ 22". فما الرأي في ذلك؟
أقول جاء في كلام الفصحاء اقتران الواو بقد بعد (الا) قبل الفعل الماضي، كما جاء انفرادها بالفعل الماضي على ما تقدم. ومن شواهد اقتران الواو بقد قبل الفعل الماضي التالي لـ (الا)، ما جاء في نهج البلاغة، قال:
ولا جُعلتْ لهم الأفئدة في ذلك الأوان الا وقد أُعطيتم مثلها في هذا الزمان (1/ 156)، وقال:
ما منهم رجل الا وقد أعطاني الطاعة وسمح لي بالبيعة طائعاً غير مكره (2/ 104).
وقال ابن جني في الخصائص:
لسنا نراك الا وقد أغلقت العينين جميعاً (2/ 65). وجاء في شرح الحماسة لأبي علي المرزوقي:
فلا يمكنهم تجاوزه الا وقد فرغوا منه (ص /192) وقال:
لا تكون راشدا الا وقد رشد جارك معك (ص /438).
فساغ بذلك قولك في المثال السابق (ما من أحد الا وقد جزع)، وقولك (ما حدثني أحد الا وقد استمعت إليه)، استناداً إلى ما ذهب إليه الإمام الرضي وجاء في كلام الفصحاء.
مجيء واو الحال بعد الا إذا تلاها فعل مضارع:
الأصل أن تمتنع الواو إذا تصدر الجملة الحالية مضارع مثبت دون (قد)، فترب بالضمير وحده، كقولك (جئت أحمل ثيابي) وقوله تعالى) وآية لهم الليل نسلخ منه النهار –يس /31 (. فإذا اقترن بقد جاز ذل كقوله تعالى) لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم –الصف /5 (. والحكم في هذا جاء بعد الا ودونها.
وقد أخذ الدكتور مصطفى جواد عضو المجتمع العراقي في كتابه (المباحث اللغوية) على زميله الأب ماري أنستاس الكرملي قوله (لا ندع ديواناً ... الا ونورد فيه شيئاً من المصطلحات)، قال الدكتور جواد: "والصواب نورد بحذف الواو" مستشهداً بقوله تعالى) وان من شيء الا يُسبح بحمده –الإسراء /44 (.
كما أخذ الأستاذ علي نجدي ناصف على الدكتور شوقي ضيف في كتابه (المدارس النحوية) مثل ذلك. قال الأستاذ ناصف في مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة (25/ 190):
"ويدخلها –أي واو الحال –الأستاذ الدكتور شوقي ضيف في كتابه، المدارس النحوية –على المضارع المثبت غير المقرن بقد حين تقع جملته حالاً، كقوله: لا يسجل قاعدة الا ويرى –ص /100. ويوجب النحويون أن تربط هذه الجملة بالضمير لا بالواو، ويؤولون ما ورد مقروناً بها".
وقد بحث هذا أبو البقاء الكفوي في (الكليات) فقال: "ودخول الواو في المضارع المثبت كالممتنع أعني الحرام إذا أجري على ظاهره. وأما إذا قدر معه مبتدأ فدخول الواو جائز ومسموح كثيراً –5/ 165". وهذا يعني أنك إذا قلت (وليس شيء مما يضطرون إليه إلا ويحاولون به وجهاً) بإثبات الواو قبل المضارع كان كالممتنع في الأصل، فإذا قدرت فيه المبتدأ على أن المراد (الا وهم يحاولون به وجهاً) كما أثبته ابن جني في الخصائص (1/ 52) جاز ذلك.
على أننا إذا عدنا إلى كلام الفصحاء، كما فعلنا قبل، رأينا أن اقتران الواو بالمضارع المثبت هنا جائز، ولو امتنع تقدير المبتدأ. وشاهد ذلك ما جاء في نهج البلاغة، قال: "واعلموا أن ليس من شيء الا ويكاد صاحبه أن يشبع منه ويمله الا الحياة 2/ 23"، فقد دخلت الواو على المضارع المثبت مع تعذر تقدير المبتدأ، فتأمل.
¥