وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ? فالاشتعال واضح، والرأس أيضاً واضحة،
فليس عندنا مفرد الآن يحتاج إلى تمييز، يعني عندنا شيباً تمييز كما
رأيتم، لكن ليس تمييزًا للاشتعال، الشيب ليس تمييزًا للاشتعال، في
قولنا: ? شَيْبًا ? وهو ليس تميزًا للرأس لكنه تميز لطبيعة ما اشتعل في
الرأس فالنسبة بين الفعل والفاعل هي التي تحتاج إلى تمييز، اشتعل الرأس
ماذا؟ فقال: ? شَيْبًا ?، فميز طبيعة هذه، ومثلها كما قلت منذ قليل،
(تصبب زيد عرق)، إذا قلت: (تصبب زيد) الآن لا يعلم ما نوع التصبب هذا
الذي أصابه، ماء أو عرقاً أو أي شيء آخر، دمًا أو غيرها، فإذا قلت:
عرقاً اتضح المقصود، فالتصبب واضح وزيد شخص معروف، لكن قولك: "عرقاً"
هذه ميزت نوع نسبة الفعل إلى فاعله، هذا هو المقصود بتمييز النسبة، وهو
أن تكون المفردات واضحة، لكن انتساب أحد ركني الجملة إلى الآخر هو الذي
فيه إبهام فيحتاج إلى إيضاح وتمييز.
إن كان المقام يحتمل ليس هناك شيء عاجل وضحت الأمور التي يمكن أن يأتي
عليها هذا النوع من التمييز أقصد تمييز النسبة، نحن عرفنا المقصود
بالنسبة وهو انتساب أحد ركني الجملة إلى الآخر، هو الذي غير واضح،
ومفردات الجملة واضحة، كل واحد منها ما يحتاج إلى إيضاح، لكن انتساب
أحدهما إلى الآخر غير واضح.
العلماء يقسمون تمييز النسبة إلى قسمين:
قسم مُحَول: يعني التمييز نفسه حُوِّلَ من شيء كان على حالة ثم تحول
إلى حالة أخرى.
والنوع الآخر: لم يتحول هو باقٍ على حالته.
كيف ذلك؟ عندما نرجع إلى مثالنا السابق في قول الله -سبحانه وتعالى-: ?
وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ? يقول المفسرون: معنى الآية أو تقدير
الآية: اشتعل شيبُ الرأس، الشيب هو الذي يشتعل، شيب الرأس، فإذن ما
الذي فعلناه؟ الشيب في قولنا التقديري، اشتعل شيب الرأس إعرابه فاعل
فنقلناه من كونه فاعلاً إلى أن يكون تمييزاً، اشتعل الرأس شيباً
فقالوا: هذا التمييز محول من فاعل، ومثله "تصبب زيد عرقاً" أصله: تصبب
عرق زيد، فنقلنا العرق من كونها فاعلاً إلى أن صارت تمييزاً، "تصبب زيد
عرقاً"، ومثله المثال هذا الطريف في قوله: (تفقأ بكر شحم) يعني من
السمن، فأصله تفقأ شحمُ بكر، ثم نقل الفاعل.
تفقأ من العلم أو من؟.
لا .. هو قال (لحم)، نعم هو في قوله: تفقأ، العلم لا يفقئ الناس، لكن
هو واضح أنه يقصد سمنه، ووضحه بقوله: (شحم)، فأصله تقديره: تفقأ شحمُ
بكر، ثم نقل الفاعل هذا شحمه إلى أن يكون تمييزًا فقال: (شحم).
(طاب زيد نفس)، أيضاً المثال السابق، وقد أكثر هو من الأمثلة في هذه
وهي متماثلة وهذا قد يكون من المآخذ للمتون المختصرة أن يطال فيها
الأمثلة لشيء واحد، فأصله طابت نفسُ زيد، فاعل ثم حُول هذا الفاعل إلى
تمييز، فصار طاب زيد نفساً، أصله طابت نفس زيد، نفس هي الفاعل، ثم حول
فصارت نفس هي التمييز، "طاب زيد نفساً".
فيسمون هذا النوع من أنواع التمييز تمييزاً محولاً من فاعل.
في قول الله -سبحانه وتعالى-: ? وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا ?
[القمر: 12]، هو الآن العيون ليست فاعلاً، ليست هي المتفجِّرة، ولكنها
مفجَّرة، وقالوا: إن التقدير في المعنى: فجرنا عيونَ الأرضِ، فعيون في
الأصل مفعول به، ثم حولت إلى تمييز، ? وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا
?.
محول عن مفعول به.
أحسنت, التمييز هنا هو تمييز نسبة وقد بينا كيف صار تمييز نسبة، طبعاً
هو تمييز نسبة لماذا؟ لأن قولنا: ? وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا ?
التفجير معروف والأرض معروفة، لكن طبيعة هذا التفجير ما الذي حصل هو
غير معروف, يحتاج إلى تمييز، تمييز نسبة، ثم ما دام تمييز نسبة هو محول
من ماذا؟ كما قلت الآن هو أصله: فجرنا عيونَ الأرض، مفعول به ثم حولنا
المفعول به إلى تنوين فصار المفعول تمييزاً فيقال: إنه تمييز محول عن
مفعول به.
الأمثلة الأخرى في قوله: (زيد أكرم منك أباً وأجمل منك وجه)،
التقدير طبعاً في قولنا: (زيد) واضح معناه، و (أكرم) واضح، و (منك) واضح
إذن ليس تمييز مفرد، لأن المفردات واضحة، ليست مبهمة تحتاج إلى تمييز،
لكن النسبة بين زيد والكرم غير واضحة أكرم هو أكرم في ماذا؟ لا يعلم،
فقال: (أب) فأتى بالتمييز، قالوا: أصل الجملة: أبو زيد أكرم منك، هذا
الأصل، فـ «أبو» ماذا كان إعرابها في الأصل؟ أبو زيد أكرم منك، مبتدأ،
¥