قلنا: ليس ذلك مجمعاً عليه، بل فيه خلاف مشهور!
فمن الناس: من يقبل زيادة الثقة مطلقاً.
ومنهم: من لا يقبلها.
وقال الحافظ في النكت (2/ 691): ((الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند فلا يختلفون في قبولها)) اهـ وانظر جزء رفع اليدين (189) للبخاري
والصحيح التفصيل وهو أنها تقبل في موضع دون موضع فتقبل إذا كان الراوي الذي رواها ثقة حافظاً ثبتاً والذي لم يذكرها مثله أو دونه في الثقة (1).
وتقبل في موضع آخر لقرائن تخصها.
ومن حكم في ذلك حكماً عاماً فقد غلط، بل كل زيادة لها حكم يخصها.
ففي موضع يجزم بصحتها.
وفي موضع يغلب على الظن صحتها وفي موضع يجزم بخطأ الزيادة.
وفي موضع يغلب علىالظن خطؤها.
وفي موضع يتوقف عن الزيادة)) (2) اهـ.
وهذا الذي صححه ابن عبد الهادي هوالصواب إن شاء الله؛ لأن الإسناد الذي اختلف فيه رواته لا يخلو من حالتين:-
أ- أن تحتف بالإسناد قرائن ترجح أحد الأوجه.
ب- أن لا تحتف بالإسناد قرائن (3).
فإن احتفت بالإسناد قرائن ترجح أحد الأوجه؛ فليس لأهل الحديث قاعدة مضطردة بل هم يحكمون في كل حديث بحكم خاص.
قال أبو داود للإمام أحمد: ((إذا اختلف الفريابي ووكيع، أليس يقضي لوكيع؟
قال: مثل ماذا؟
قلت: مالم يروه غيره؟
قال: ما أدري وكيع ربما خولف أيضاً)) (4) اهـ.
وقد نص جماعة من أهل التحقيق والدراية والتدقيق على أنه ليس لأهل الحديث حكم عام مطرد عند الاختلاف بل مرجع ذلك إلى القرائن والمرجحات.
منهم:
1 - الإمام العلامة المحقق المدقق أبو الفتح محمد بن علي القشيري الشافعي المعروف بابن دقيق العيد ت702هـ.
قال رحمه الله: ((أهل الحديث قد يروون الحديث من رواية الثقات العدول، ثم تقوم لهم علل فيه تمنعهم من الحكم بصحته. كمخالفة جمع كثير له أو من هو أحفظ منه أو قيام قرينة تؤثر في أنفسهم غلبة الظن بغلطه.
ولم يجر ذلك على قانون واحد يستعمل في جميع الأحاديث. ولهذا أقول: إن من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارضت رواية مرسل ومسند أو واقف ورافع أو ناقص وزائد: أن الحكم للزائد؛ فلم يصب في هذا الإطلاق فإن ذلك ليس قانوناً مطرداً. وبمراجعة أحكامهم الجزئية، تعرف صواب ما نقول)) (1) اهـ.
2 - والإمام العلامة المحقق أبو الفتح محمد بن محمد المصري المعروف بابن سيد الناس ت734هـ.
قال رحمه الله: ((ليس لأكثر أهل الحديث في تعارض الوصل والإرسال عمل مطرد)) (2) اهـ.
3 - والإمام العلامة المحقق أبو عبدالله محمد بن أحمد المقدسي المعروف بابن عبد الهادي الحنبلي ت744هـ.
قال رحمه الله: ((ذهب الحذاق من الأئمة - وهي أقوى الطرق - أنه يصار إلى الترجيح فتارة يحكم للوقف وتارة يحكم للرفع وتارة يتوقف كل بحسب القرائن.
وهذه طريقة الشافعي وأحمد وعلي بن المديني والبخاري والنسائي وغيرهم من الأئمة)) (3) اهـ.
وقال أيضاً: ((الأخذ بالمرفوع والمتصل في كل موضع طريقة ضعيفة لم يسلكها أحد من المحققين وأئمة العلل في الحديث)) (4).
5 - والإمام العلامة المحقق أبو سعيد خليل العلائي الشافعي ت761هـ.
قال رحمه الله: ((الذي يظهر من كلامهم - أي المحدثين - خصوصاً المتقدمين كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن بعدهما كأحمد ابن حنبل وعلي بن المديني ويحيى ابن معين وهذه الطبقة، ومن بعدهم كالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم الرازيين ومسلم والترمذي والنسائي وأمثالهم والدارقطني والخليلي. كل هؤلاء مقتضى تصرفهم في الزيادة قبولاً ورداً الترجيح بالنسبة إلى مايقوى عند الواحد منهم في كل حديث ولا يحكمون في المسألة بحكم كلي يعم جميع الأحاديث. وهذا هو الحق)) (1) اهـ.
5 - والإمام العلامة المحقق أبو الفرج عبدالرحمن بن أحمد الدمشقي المعروف بابن رجب الحنبلي ت795هـ.
قال رحمه الله: ((ربما يستنكر أكثر الحفاظ المتقدمين بعض تفردات الثقات الكبار. ولهم في كل حديث نقد خاص وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه)) (2) اهـ.
6 - والإمام العلامة المحقق أبو الفضل أحمد بن علي الشافعي المعروف بابن حجر العسقلاني ت852 هـ.
قال رحمه الله: ((المنقول عن أئمة الحديث المتقدمين اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها. ولا يعرف عن أحد منهم إطلاق قبول الزيادة)) (3) اهـ.
7 - والإمام العلامة المحقق إبراهيم بن عمر البقاعي ت885هـ.
¥