وسمع رجلاً يقول له: يا خير البرية، فقال: " ذلك إبراهيم ". وقال:" لا يقولنّ أحدكم أنَّي خير من يونس بن متى ". وقال:" السيد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ". ثُمَّ قال بعد ذلك كله:" أنا سيد ولد آدم ولا فخر ".
ففضائله صلى الله عليه وسلم لم تزل تزداد إلى أن قبضه الله، فمن ها هنا قلنا: أنَّه لا يجوز عليها النسخ ولا الاستثناء ولا النقصان، وجائز فيها الزيادة، وبقوله صلى الله عليه وسلم:" جعلت لي الأرض كلها مسجدا وطهوراً ". أجزنا الصلاة في المقبرة وفي الحمَّام، وفي كل موضع من الأرض إذا كان طاهراً من الأنجاس لأنَّه عموم فضيلة لا يجوز عليها الخصوص ولو صحَّ عنه عليه السلام أنَّه قال:" الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمَّام ". فكيف وفي إسناد هذا الخبر من الضعف ما يمنع من الاحتجاج به، فلو صحَّ لكان معناه أن يكون متقدماً لقوله:" جعلت أي الأرض كلها مسجد وطهوراً ". ويكون هذا القول متأخراً عنه، فيكون زيادة فيما فضَّله الله به صلى الله عليه وسلم. التمهيد: (3/ 97).
245 - وأجمع العلماء على أنَّ التيمم على مقبرة المشركين إذا كان الموضع طيباً طاهراً نظيفاًُ جائزٌ، وكذلك أجكعوا على أنَّ من صلى في كنيسة أو بيعة في موضع طاهر أنَّ صلاته ماضية جائزة.
وقد كره جماعة من الفقهاء الصلاة في المقبرة، سواء كانت لمسلمين للأحاديث المعلولة التي ذكرنا، ولحديث أبي هريرة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: " صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً ". ولحديث وائلة بن الأسقع عن أبي مرثد الغنوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: " لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ". وهذان حديثان ثابتان من جهة الإسناد ولا حجة فيهما لأنَّهما محتملان للتأويل، ولا يجوز أن يمتنع من الصلاة في كل موضع طاهر إلاَّ بدليل لا يحتمل التأويل. التمهيد: (3/ 101).
246 - وكل من كره الصلاة في المقبرة لم يخص مقبرة، لأنَّ الألف واللام في:" المقبرة والحمَّام ". إشارة إلى الجنس، لا إلى المعهود، ولم كان بين مقبرة المسلمين والكفار فرق لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يهمله، لأنَّه بعث مبيناً لمراد الله من عباده والقوم عرب لا يعرفون من الخطاب إلا استعمال عمومه، ما لم يكن الخصوص والإستثناء يصحبه، فلو أراد مقبرة دون مقبرة لوصفها ولم يحل على لفظ المقبرة جملة، لأنَّ كل ما وقع عليه اسم مقبرة يدخل تحت قوله المقبرة، هذا هو المعروف من حقيقة الخطاب، وبالله التوفيق.
ولو ساغ لجاهل أن يقول: مقبرة كذا، لجاز لآخر أن يقول: حمَّام كذا، لأنَّ في الحديث:" إلأَّ المقبرة والحمَّام ". وكذلك قوله:" المزبلة والمجزرة ومحجة الطريق ". غير جائز أن يُقال: مزبلة كذا، ولا مجزرة كذا، ولا طريق كذا، لأنَّ التحكم في دين الله غير سائغ والحمد لله ". التمهيد: (3/ 103).
247 - وفي هذا الحديث:" فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها فليصلها كما كان يصليها في وقتها ".
وهذا إنَّما فيه إيجاب إقامة الصلاة، وأنَّها غير ساقطة عمَّن نام أو نسي ولم يخص وقتاً من وقت، فالبدار إليها أولى إلاَّ أنَّ في حديث ابن المسيب، وحديث أنس وغيره، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من نام عن الصلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ". فإنَّ الله تعالى يقول: [أقم الصلاة لذكري]. وفي هذا وجوب صلاتها عند الذكر لها والانتباه إليها، أي وقت كان، وهو موضع خلاف. التمهيد: (3/ 110).
الحواشي:
(1) وهو الوادي الذي نام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عن صلاة الصبح، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج منه.
أخوكم من بلاد الشام
أبو محمد السوري
يتبع إن شاء الله تعالى
ـ[ابو حفص الجزائري]ــــــــ[03 - 11 - 10, 08:58 ص]ـ
أفضل طبعة للتمهيد طبعة الفاروق الحديثة للنشر و التوزيع ت أسامة بن إبراهيم الطبعة الكاملة من بين النسخ الموجودة و الله أعلم