(5) أنَّه يعيدُ إلى علوم السنَّة هيبتَها ومكانتَها عندَ المسلمين, لأنه وجد أناسٌ يتسلّقون على العلم بل يتطاولون على العلوم الشرعية, فتراه يقول: إسناده حسن أو حديث ضعيف, ويُنهي الحكم به. والسبَبُ: عدم معرفتهم بقيمة هذا العلم, وعظيم شأنه. ولهذا .. لن تجدَ حديثاً واحداً حكم عليه البخاري أو أحد النقَّاد بالصحة أنه معارض لأصل معتبر, أو متن مبتكر, ليدلّ على كبير علمهم وقصور معارضيهم وناكري أحاديثهم (1).
لذلك .. نعلم أنّ علوم السنّة هي التي بها يتم "معرفة الصحيح والضعيف" ولا يتم معرفة السنّة إلا بمعرفةِ رجالِها وحفّاظها, فلن تجد في ملّة ولا طائفة توصل الحكم على الحديث والنقد الكامل بغير هذا الطريق.
قالَ الأديبُ الجاحظُ (2) في معرض تضعّيفه حديثاً يحتج به الشيعة: ومتى ادّعينا ضعف حديث وفساده فاتَّهمتم رأينا وخفتم ميلنا وخفتم غلطنا فاعترضوا عمال الحديث والأثر, فإنَّ عندهم الشفاء فيما تنازعنا فيه .. وقد أنصف كل الإنصاف من دعاكم إلى المقنع –ما فيه إقناعكم- مع قرب دارٍ وقلة جور وأصحاب الأثر من شأنهم رواية كل ما صح عندهم, عليهم كان أو لهُم اهـ. صدق .. إذ هذا ما تميَّز به أهل السنًّة والجماعة من أهل الحديث والأثر, وأنهم أئمة حفاظا نقادا, فليس العلم بالحفظ, إنما العلم المعرفة. وقال الحاكم: الحجَّة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة.
(تَعرِيفُ علمُ العِللْ)
العلّةُ في اللّغة: المرض. واسم المفعول من علّ يعل فهو معلّ ومن اعتل فهو معتلّ. وعلى قلّة عند العرب معلول. والأفصح أن تقول "حديث معتل أو معلّ" وأقله فصاحةً قول "حديث معلول" وأشنعُه "معلَّل" فهو لحن لأنّ المعلل هو الملحّى (3).
العلةُ في الاصْطلاحِ: سببٌ خفيُ يقدحُ في صحّة الحديث –ظاهره السلامة-. ولعلّ الحاكم هو أوّل من عرّف العلل في قوله: الحديث المعلل يُقدح فيه من أوجه ليس للجرح والتعديل فيها مدخل.
علم العلل ينقسم إلى قسمين:
أ - النظري: وهيَ قواعد وأمثلة لقرائنَ تعينُ على فهمِ النقد الخفيّ للأئمةِ الحديث, وبالممارسة تعين على تكوين الملكةِ فيه.
شرح التعريف: (قواعد) فهي غير معرّفة لأنه لا عد لها ولا حصر. (قرائن) تحوم حول الراوي والمروي (للأئمة الحديث) كأبي حاتمٍ وأبو زرعةَ, ولا يمكن إدراك شأوهم فقد انتهى. (بالممارسة) وبغيرها لا يفهم هذا العلم, فمن تدرّب فقد انتهى من دراسته.
(أهَمِّيَّةُ الكُتُب المُؤلَّفةِ فِي التَّعلِيلِ النَّظِرِي)
أولا: ما جاء في كتب المصطلح قد تطرّقت إلى بيان العلّة, وشروطها وأسبابها إلى غير ذلك, ومن أوّل من كتب في ذلك الترمذي في "العلل الصغير", الذي شرحه الحافظ ابن رجب, فهوَ أوّل من كتب في العلل بشكلٍ موسّع, مع بيان القواعد والقرائن التي تبيّنه. ثم كتاب الحاكم "معرفة علوم الحديث" ثم امتداد كتب المصطلح كـ "مقدمة ابن الصلاح" و"نزهة النظر" لابن حجر, ثم من المعاصرين كـ "الحديث المعلّ" للخاطر وكتاب "مقايسس نقد المتون" للدميني وكـ" الحديث المعلول" للميباري وكتاب "قواعد العلل وقرائن الترجيح" لعادل الزرقي وكتاب "العلّة وأجناسها" للشيخ مصطفى باحو. وهو أجودها وأفضلها, وكذلك مقدمة الدكتور همام سعيد في تحقيقه لكتاب "شرح علل الترمذي" وهي مقدمة متميِّزة. وكتاب "العلل لابن أبي حاتم" بإشراف الشيخين سعد الحميّد وخالد الجريسي, وهو تحقيق نفيسٌ جداً. وكتاب "منهج الإمام أحمد في علل الأحاديث" لبشير عمر وكتاب "منهج أحمد في التعليل" للنشمي والدكتور أبي بكر الكافي. وهما رسائل علمية. وكتاب "علم علل الحديث" للغماري وهي في كتاب "الوهم والإيهام" للقطّان الفاسي.
ب- العملي: وله اصطلاح خاصٌ وعامٌ. وكلاهما مراعى عند المحدثين.
فالاصطلاح الخاص/ النقدُ الخفيّ للأحاديثِ من خلالِ جمعِ الطرقِ والموازنة بين اختلافاتها لمعرفةِ الصوابِ من الخطأ.
شرح التعريف: (النقد الخفيّ) فليس من أن الراو كذاب أو قول مالك قال عمر بن الخطاب فهذا لا يخفى على أحد. (خلال جمع الطرق) وهذا قيد مهمّ, فتعرف اختلاف ألفاظ الرواة مثلاً.
¥