(2) أنْ لا يَكُونَ الكِتَابُ صَالِحاً للإِفَادَةِ, كأنْ يكونَ الكِتابِ غَيرُ مَضبُوطٍ, فَيكتُبُ بِنَقصِ حَرفٍ أوْ يبدِّلَ كَلمَة عنْ كَلمةٍ, كما ذَكَرُوا "فلان يسْمع مِن غَير أن يَقْرأ ويَكْتب مِن غَير مَا سَمِعَ ويَقْرأ غَير مَا كَتَب" فهِيَ مَرَاحِل الوَهمِ, أو يكونُ الخطُّ شنيعاً, حتَّى قَالُوا: "لا تَأخُذ العلمَ عَن صَحَفي" لأنها لم تكنْ مضبوطةً ومنقوطةً, خلافَ هَذا الزَّمَنِ, ترقيمٌ وتنقيطٌ وحواشيٌ وتعليقاتٌ.
(3) أنْ يَطْرَأَ عَلَى الكِتَابِ ما يَجْعَلُهُ غَيْر صَالحٍ للإِفَادَةِ, فالكتابُ مضبوطٌ, لكن طَرَأ عليهِ بأنْ يَستعِيرَه لأَحَدٍ فَيحَرِّف ويُصحِّحْ فِيهِ, أو يَحتَرقُ الكِتَاب فيصْبِحُ يُخمِّن.
(4) ضَعفُ الاسْتفادَةِ مِنَ الكِتَابِ, كأنْ يكون الكتاب مضبوطٌ ومَحفُوظُ من التَّغييرِ, لكنَّ القَارِئ لا يُحْسِنُ أنْ يَستَفِيدَ مِنهُ جيِّداً, تجدُهُ يقرَأ سَرِيعاً فَلا يَسْتوعِبْ فَهْمهَا ويَتَجاوَز عَنْهَا, بلْ قد ينْقص مِنَ الكَلِمَاتِ ما هُوَ موجودٌ, وسببُهُ: ارتباطُ الذِّهنِ بأول المقروءِ, وقد أثبتَ هذا " علمُ النًّفسِ " وعليهِ كانَ العربُ في الزَّمانِ القَدِيم
(الأَدِلةُ والقَرائِنُ الَّتِي يُبنَى عَلَيهَا التَّعلِيلُ)
(1) الأَصْلُ عَدَمُ اجْتِمَاعِ الأشْخَاصِ عَلَى وجْهٍ واحِدٍ فِي الوَهْمِ, إذاً-الأصْلُ أنَّ المنفردَ المُخالف وَاهِمٌ- لأنَّ الصوابَ صورةٌ واحدةٌ, فإن اختلفَ الرواةُ مثلاً عن ابن سِيرينَ فِي رَفعهِ ووَقْفِهِ وإِرْسَالِهِ, فيتصوَّر أن الوهم يتعدد تعدّداً لا نِهايةَ له, من (تغيّر المتن وقلبه وأحوالٍ كثيرة .. ). لأن الاحتمالات العقلية واردة, فإن جاء رجلٌ على صورة ثم جاء آخر على الصورةِ نفسها وكذا آخر فلا يتصوّر أن أحدهم واهماً! لتوافقهم!
- لِذا ... قبل العلماءُ رواية الضعيف خفيفَ الضعيف إنْ جاء بنفْسِ الوَجْهِ الذي رَوَاهُ بِهِ الثِّقة. لذا َمِنَ أقْوَى القَرَائِنِ: تَقْدِيمُ رِوَايَةُ العَدَدِ عَلَى رِوَايَةِ الوَاحِدِ. ومن القرائن: تَقدِيمُ الوَجهِ الَّذِي يَشْهَد لمَعْنَاهُ وَجهٌ آخَرُ, وإنْ كَانَ غيرُ مُوافقٍ لَه تَمَاماً.
مثَالُه: حديثُ "قَبيصَة بْنُ ذُؤَيْب" عن أبِي بَكْر –رَضِيَ اللهُ عنه- في قِصَّةِ إرث الجدّةِ. فقد رواها مالك عن الزهري عن عثمانَ بن إسحاق بن خرشة عن قبيصة في قصَّةِ "محمد بن سلمة والمغيرة مع أبي .... " فرواها مالك على هذا الوجْهِ, وخالفه عامَّة تلاميذ الزهري (يونس بن يزيد الأيلي, معمر بن راشد, وقرابة العشرة) فرووها في وجهٍ غير هذا يعني من غير ذكر إسحاق! فالظاهرُ أنَّ الصَّوَابَ: رِوَايةُ الجمع, لكن جاءَ ابن عيينة فروى الحديث عن الزهري عن رجلٍ عن قبيصة, فهو لم يوافِقْ مالكاً إنما أبْهَمَ هَذَا الاسْمَ, حتَّى أنَّ التِّرمذي قال عنها: والصَّوابُ روايةُ مَالك. وجاءَ الدار قطني وقوَّى رِوَاية مالك بروايةِ ابن عيينة, فلمَّا اجتمعَا صارت الرِّوايةُ أقوى ممَّا اتفقَ عليهِ العشرةُ. فهنا وافقه في صورة الرواية فهذا مطابقٌ للقاعدة.
(2) ما يَصْعُبُ حِفْظُه أوْلَى أنْ يَكُون صَوَاباً, إذاً -ما يَسْهُلُ حِفْظُهُ أوْلَى أنْ تَذْهَبَ الأوْهَامُ إِلَيْهِ- وصورتُهُ: قال بعضُهم "سلوك الجادة" والمَعْنَى: أنَّ هناكَ أسانيدُ مشهورةٌ مثل "مالك عن نافع عن ابن عمر" و "الزهري عن ابن المسيب عن ابن عمر" فلو أتى الراوي وقال "الزهري عن إسحاق عن قَبِيصة" فهذا في الغالب لا يَأتِي بِهِ الرَّاوِي لأَنَّهُ غَرِيبٌ عَن بَقيِِّةِ الأسَانِيدِ. قال أحمد بن حنبل: "أهل مكة إذا أخطئوا قالوا: ابن المنكدر عن جابر. لأنَّه أشْهر الأسانيد عندهم. وأما أهل البصرة إذا أخطئوا قالوا: ثابت عن أنس لأنَّه أشهرُ الأسَانِيدِ عندهم. وَمِنَ القَرَائِنِ: وُجُودُ الاسْمِ الغَرِيبِ فِي السَّنَدِ يَدلُّ عَلَى حِفْظِ راويه, لأن غرابةِ الاسم تقتضي نسيانه, فحفظ الغريب دلالة على حفظه وإتقانه, ويرجّح إذا ما اختلف الرواة: فرجَلٌ يقول "شعيب" والآخر "شعيش", فما قال "شعيش" إلاَّ أنه هو الصَّحيح, فلعلَّ الآخر تصحَّف أو غيرهُ.
¥