أخرجه البزار (رقم: 795 – كشف الأستار) قال: حدثنا عمرو بن علي , حدثنا أبو عاصم , حدثنا شبيب بن بشر البجلي , قال: سمعت أنس بن مالك يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ,به. وأخرجة الضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (رقم: 2201) من طريق عمرو بن الضحاك النبيل , وأبو بكر الشافعي في "الأسانيد الرباعيات" (2/ 23/أ) عن محمد بن يونس الكديمي , وابن الأصبهاني في "الترغيب والترهيب" (رقم:2433) - ومن طريقه: الضياء في "المختارة" (رقم: 2200) – من طريق أبي أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي , جميعاً عن أبي عاصم النبيل , به.
قال البزار "لانعلمه عن أنس إلا بهذا الإسناد"
قلت: وإسناده ضعيف , علته شبيب بن بشر , فإنه مقل من الروايه , تفرد عن أنس بأشياء لايرويها غيره عن أنس , منها هذا الحديث , وخرج أكثر أفراده الضياء في "المختارة" (6/ 181– 191) , كما أنه معروف برواية أبي عاصم الضحاك بن مخلد عنه , ولندرة وقوع شيء من حديثه من غير طريق أبي عاصم , قال يحي بن معين: "شبيب الذي يروي عنه أبو عاصم , يقال له: شبيب بن بشر , ولم يروِ عنه غيره" (تاريخه 4/ 180).
قلت: قد روى عنه إسرائيل بن يونس , وأخطأ في اسم أبيه , كما بينه الترمذي في "الجامع" (رقم:2482) , كما روى عنه أحمد بن بشر الكوفي حديثاً , عند الترمذي (رقم: 2670) , وذكروا كذلك رواية عنبسة بن عبدالرحمن أحد المتروكين.
ولا ريب أن الرجل معروفٌ برواية من ذكِر , لكنه قليل الحديث , ومن كان كذلك فإن كان روى ما يرويه الناس من الحديث المعروف المألوف إسناداً ومتناً , فهو ثقة مقبول , وإن كان يتفرد مع قلة روايته بما لايعرف إسناداً أو متناً , أو كلاهما , أو يروي عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون من أصحابهم , فذلك من أدل شيء على ضعفه.
وهذا الرجل ليس له في الكتب الستة جميعاً إلا خمسة أحاديث , تفرد الترمذي بحديثين , وابن ماجة بحديثين , واشتركا بواحد , وقال الترمذي في جميع ماخرج له: "حديث غريب" وهي عبارة مشعرة بالضعف إذا لم يقترن بها تصحيح أو تحسين , كما أنها مثبتة للتفرد.
فلهذا الذي ذكرت قال أبو حاتم ا لرازي في (شبيب) هذا: "لين الحديث , حديثة حديث الشيوخ" (الجرح والتعديل 2/ 1/357).
وقال ابن حبان: "يخطئ كثيراً" (الثقات 4/ 359).
فإن قلت: فكيف ذكره في الثقات إذاً؟
قلت: ابن حبان يذكر في الثقات من الضعفاء من لم يبلغ حديثه عنده السقوط , ممن يكتب حديثه للاعتبار, و (شبيب) من هؤلاء.
فحاصل ذلك أن الرجل ضعيف إذا تفرد , صالح إذا توبع.
فقول يحيى بن معين فيه: "ثقة" (تاريخه4/ 86) مرجوح بالجرح المفسر , أو محمول بقرينة ذلك الجرح على أن حديثه صالح للاعتبار لا الاحتجاج , فهو ضعيف لذاته.
وعليه: فهذا حديث لم نجد له عليه متابعاً سمعه من أنس , ولا شاهداً معتبراً يصلح.
فإن قلت: بلى , له متابع وشاهد.
وذكرتَ المتابع ما أخرجة أبو عمرو عثمان بن أحمد ابن السماك في " الأول من حديثه" (ق:87/ب) من طريق عبيد بن عبد الرحمن التيمي , قال حدثني عيسى بن طهمان , عن أنس ,قال: (فذكر قصة موت إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم). وفيه:
فدمعت عيناه , فقال له أصحابه: يانبي الله , ألم تنه عن البكاء؟ فقال: " لم أنه , إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين:صوت عند مصيبة , النوح , والغناء , وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون".
وذكرتَ الشاهد حديث ابن عوف أو جابر المذكور قبل هذا.
(وحديث ابن عوف قال عنه الشيخ حديث منكر بهذا السياق وهو حديث طويل فيه أن الرسول بكى وقال له أتبكي يارسول الله؟ أولم تنه عن البكاء؟ قال: إنما نهيت عن النوح ,عن صوتين أحمقين فاجرين:صوت عند نعمه لهو ولعب إلى آخر ماذكر , أما حديث جابر فقال عنه الشيخ حديث ضعيف جداً وفيه أن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع) إنتهى كلامي
قلتُ: كلا , فأما ما ذكرت من المتابعة , فإن التيمي راويها نسبه الحافظ المزي في "التهذيب" (22/ 618) في الرواة عن عيسى بن طهمان , فقال: "أبو محمد عبيد بن عبد الرحمن التيمي البزاز الأعور مولى الصلت بن بهرام" وهذا رجل مجهول , قال فيه أبو حاتم الرازي "لا أعرفه , والحديث الذي رواه كذب" (الجرح والتعديل 2/ 2/410).
فإسناد هذه المتابعة واهٍ لا يعتبر به.
وكنت في التأليف الأول. ويقصد كتابه (أحاديث ذم الغناء والمعازف في الميزان). قد عللت هذه الرواية بابن طهمان , لقول ابن حبان: " يتفرد بالمناكير عن أنس , ويأتي عنه بما لا يشبه حديثه , كأنه كان يدلس عن أبان بن أبي عياش , ويزيد الرقاشي , عنه , لا يجوز الاحتجاج بخبره , وإن اعتبر بما وافق الثقات من حديثه فلا ضير" (المجروحين2/ 117 - 118).
مع أني ثبت ثقته , وأعملت قول ابن حبان في عنعنته , لما ذكره من وقوع المنكرات في حديثه , وكأن ذلك من جهة التدليس , لكن الذي تحرر لي من بعد أن مافي رواياته من المنكرات فليس من جهته , إنما هي من جهة الرواة عنه , كما هو الشأن هنا.
وأما ما ذكرتَ من شاهد , فقد سبق أن بينت لك محله من الخبر منكر , تفرد به ابن أبي ليلى في قصة مشهورة محفوظة بدونه , والمنكر لا يصلح للاعتبار.
فسقط بهذا ما يمكن التعلق به لتقوية الحديث , ولو كان حديث ابن أبي ليلى سالماً من المعارض , لكان صالحاً للاعتبار , ولحسنا به هذا الحديث لغيره , ولكن هيهات!
وهذا التفسير الذي ذكرته هنا حول الحديث وما حال دون الحكم بثبوته , متضمن جواباً لما أورده علي الشيخ الألباني رحمه الله , وددت لو وقف عليه , فإنه ذهب في كتابة "تحريم آلات الطرب" (ص:51 - 55) إلى الحكم بصحته , فحسن إسناد شبيب بن بشر , وصححه بطريق عيسى بن طهمان , وقواه بحديث ابن أبي ليلى , وقد علمت ما في جميعها , فما أورده علي (ص: 38) ليس بواردٍ , لما بينته , فتأمل.
منقول من كتاب (الموسيقى والغناء في ميزان الإسلام) للشيخ عبد الله الجديع (ص:407 – 411)
¥