تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

البيان أنها مجرد دعوى في أمر غيبي مخالفة للمنهج الذي سبق ذكره. و لابد لي

قبل ختم الكلام على هذا الموضوع أن أقدم إلى القراء الكرام و لو مثالا واحد على

الجهل بالسنة الذي وصفت به الرجل فيما تقدم , و لو أنه فيما سلف كفاية للدلالة

على ذلك! لقد ذكر الحديث المشهور في النهي عن اتباع سنن الكفار بلفظ لا أصل له

رواية و لا دراية , فقال (ص 27): " و صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ

يقول: " لتتبعن من قبلكم من الأمم حذاء القذة بالقذة , حتى لو دخلوا جحر ضب

لدخلتموه وراءهم. قالوا: اليهود و النصارى يا رسول الله ? قال: فمن ? ". أو

كما قال صلى الله عليه وسلم "! و مجال نقده في سياقه للحديث هكذا واسع جدا , و

إنما أردت نقده في حرف واحد منه أفسد به معنى الحديث بقوله (حذاء) , فإن هذا

تحريف قبيح للحديث لا يخفى على أقل الناس ثقافة , و الصواب (حذو). و ليس هو

خطأ مطبعيا كما قد يتبادر لأذهان البعض , فقد أعاده في مكان آخر. فقال (ص 34

) مقرونا بخطأ آخر: " حذاء القذة بالقذة "! كذا ضبطه بفتح القاف! و إنما هو

بالضم . و نحو ذلك مما يدل على جهله بالسنة قوله (ص 240): " يقول السلف

: ليس الخبر كالمعاينة ". و هذا حديث مرفوع رواه جماعة من الأئمة منهم أحمد عن

ابن عباس مرفوعا , و فيه قصة. و هو مخرج في " صحيح الجامع الصغير " (5250).

و من أمثلة جهله بما يقتضيه المنهج السلفي أنه حشر (ص 74) في زمرة التفاسير

المعتبرة " تفسير الكشاف " , و " تفسير الفخر الرازي " , فهل رأيت أو سمعت

أثريا يقول مثل هذا , فلا غرابة بعد هذا أن ينحرف عن السنة , متأثرا بهما و

يفسر آية الربا تفسيرا مجازيا! و أما أخطاؤه الإملائية الدالة على أنه (شبه

أمي) فلا تكاد تحصى , فهو يقول في أكثر من موضع: " تعالى معي "! و قال

131): " ثم تعالى لقوله تعالى " , و ذكر آية. و في (ص 129): " فمن

المستحيل أن تفوت هذه المسألة هذان الإمامان الجليلان "! و (ص 130). " أضف

إلى ذلك أن الإمامين ليسا طبيبان "! فهو يرفع المنصوب مرارا و تكرارا. و في

الختام أقول: ليس غرضي مما تقدم إلا إثبات ما أثبته الشرع من الأمور الغيبية ,

و الرد على من ينكرها. و لكنني من جانب آخر أنكر أشد الإنكار على الذين

يستغلون هذه العقيدة , و يتخذون استحضار الجن و مخاطبتهم مهنة لمعالجة المجانين

و المصابين بالصرع , و يتخذون في ذلك من الوسائل التي تزيد على مجرد تلاوة

القرآن مما لم ينزل الله به سلطانا , كالضرب الشديد الذي قد يترتب عليه أحيانا

قتل المصاب , كما وقع هنا في عمان , و في مصر , مما صار حديث الجرائد و المجالس

. لقد كان الذين يتولون القراءة على المصروعين أفرادا قليلين صالحين فيما مضى ,

فصاروا اليوم بالمئات , و فيهم بعض النسوة المتبرجات , فخرج الأمر عن كونه

وسيلة شرعية لا يقوم بها إلا الأطباء عادة , إلى أمور و وسائل أخرى لا يعرفها

الشرع و لا الطب معا , فهي - عندي - نوع من الدجل و الوساوس يوحي بها الشيطان

إلى عدوه الإنسان * (و كذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس و الجن يوحي بعضهم

إلى بعض زخرف القول غرورا) * , و هو نوع من الاستعاذة بالجن التي كان عليها

المشركون في الجاهلية المذكورة في قوله تعالى: * (و أنه كان رجال من الإنس

يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) *. فمن استعان بهم على فك سحر - زعموا -

أو معرفة هوية الجني المتلبس بالإنسي أذكر هو أم أنثى ? مسلم أم كافر ? و صدقه

المستعين به ثم صدق هذا الحاضرون عنده , فقد شملهم جميعا وعيد قوله صلى الله

عليه وسلم: " من أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول , فقد كفر بما أنزل على

محمد " , و في حديث آخر: " .. لم تقبل له صلاة أربعين ليلة " . فينبغي

الانتباه لهذا , فقد علمت أن كثيرا ممن ابتلوا بهذه المهنة هم من الغافلين عن

هذه الحقيقة , فأنصحهم - إن استمروا في مهنتهم - أن لا يزيدوا في مخاطبتهم على

قول النبي صلى الله عليه وسلم: " اخرج عدو الله " , مذكرا لهم بقوله تعالى * (

فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *. و الله

المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله.


[1] و له شواهد كثيرة يزداد بها قوة , قد ساقها المؤلف الآتي ذكره , و سلم
بصحته في الجملة , و لكنه ناقش في دلالته , و يأتي الرد عليه.
[2] حديث صحيح مخرج من طرق فيما تقدم برقم (1887 و 2238 و 2253).
[3] رواه قاسم بن أصبغ بسند صحيح كما في " الفتح " (13/ 301).
[4] قلت: و مثله كثير , انظر بعض الأمثلة في آخرها هذا التخريج.
[5] و هو مخرج في " الصحيحة " من طرق بألفاظ متقاربة (3312).
[6] رواه مسلم و غيره , و هو مخرج في " غاية المرام " (رقم 284) و رواه
الطبراني من طريق أخرى بقيد: " غير مصدق لم تقبل ... " , و هو منكر بهذه
الزيادة , و لذلك خرجته في " الضعيفة " (6555). و الحديث الذي قبله صحيح
أيضا , و هو مخرج في " الإرواء " برقم (2006) و في غيره. اهـ.
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير