ولا إشكال في مناقشة مسألة (متى تقبل زيادة الثقة)، و (ما القرائن التي تقبل معها زيادة الثقة وتُرَدّ) - مع أن هذا طُرح كثيرًا -، لكن المراد أن نبقى في موضوع نقاشنا، ولا نخرج عنه.
وللفائدة؛ فهذا مثال آخر على ما تقدم:
أخرج أبو داود في سننه من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل من بني عامر قال: دخلت في الإسلام، فأهمني ديني، فأتيت أبا ذر، فقال أبو ذر: إني اجتويت المدينة، فأمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذود وبغنم، فقال لي: "اشرب من ألبانها "، قال حماد: (وأشك في "أبوالها")، فقال أبو ذر: فكنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - بنصف النهار، وهو في رهط من أصحابه، وهو في ظل المسجد، فقال "أبو ذر؟ "، فقلت: نعم، هلكت يا رسول الله، قال: "وما أهلكك؟ "، قلت: إني كنت أعزب عن الماء، ومعي أهلي، فتصيبني الجنابة، فأصلي بغير طهور، فأمر لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بماء فجاءت به جارية سوداء بعس يتخضخض، ما هو بملآن، فتسترت إلى بعيري فاغتسلت، ثم جئت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر إن الصعيد الطيب طهور وإن لم تجد الماء إلى عشر سنين، فإذا وجدت الماء فأمسه جلدك".
قال أبو داود: "رواه حماد بن زيد عن أيوب لم يذكر (أبوالها) ".
فأبو داود يشير إلى أن حماد بن زيد خالف حماد بن سلمة، فزاد حماد بن سلمة كلمة: "وأبوالها"، ولم يذكرها حماد بن زيد.
وصرّح أبو داود بحكمه في هذه الزيادة، فقال - كما في سؤالات الآجري (1/ 402) -: "حماد بن سلمة وَهِمَ فيه، زاد فيه: (وأبوالها) ".
وأنت ترى أن كلمة: "وأبوالها" لا تنافي أصل الحديث في المعنى، ومع ذلك ردها هذا الإمام، ووهّم الذي زادها (وهو حماد بن سلمة)، مع أنه معدود في الثقات الحفاظ، وذلك بالقرائن التي أحاطت بزيادة حماد بن سلمة فدلّت على خطئه في هذه الزيادة.
والذي خالف حمادَ بن سلمة في هذه الرواية = واحدٌ، هو حماد بن زيد، وأما من خالف عبدَ الرزاق في الرواية المذكورة أولاً (زيادة: "ثم سجد") = فهم ثمانية، فيهم من هو أوثق من عبد الرزاق منفردًا، فكيف وقد اجتمعوا؟!
وقد سبق أن ذكرتُ أن الأمثلة كثيرة، وهي تقطع بأن اشتراط المنافاة شرط جرى عليه بعض المتأخرين ممن تأثر بالفقهاء والأصوليين، ثم تابعهم عامة المعاصرين، وعمل الأئمة النقاد المتقدمين ليس كذلك.
ـ[أبو عبد الرحمن الطاهر]ــــــــ[18 - 03 - 07, 08:04 م]ـ
يتتضح من كلامك:
أنك ترد زيادة الثقة إذا لم يذكره أصحاب شيخه و إن لم تكن منافية
وليس هذا مذهب أهل العلم والمعرفة بالحديث كما زعمت
وأما كلمة أبوالها فثابت من حديث حماد بن زيد و معنى قول أبي داود " حماد بن سلمة وهم فيه "
ليس الذي تزعمه بأنه رده ولكن المعنى أن حماد بن سلمة وهم فيه بأنه سمعت من شيخي (أيوب) أم لم أسمع كما يدل عليه قوله " وأشك في أبوالها " وعلى هذا بنى أبو داود قوله:وهم فيه ..
وقال البخاري - رحمه الله الباري -
حدثنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك قال قدم أناس من عكل أو عرينة فاجتووا المدينة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بلقاح وأن يشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا فلما صحوا قتلوا راعي النبي صلى الله عليه وسلم واستاقوا النعم فجاء الخبر في أول النهار فبعث في آثارهم فلما ارتفع النهار جيء بهم فأمر فقطع أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله
{بخاري كتاب الوضوء باب أبوال الإبل والدواب والغنم ... (233)}
وقال أيضا:
حدثنا مسدد حدثنا يحيى عن شعبة حدثنا قتادة عن أنس رضي الله عنه أن ناسا من عرينة اجتووا المدينة فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من ألبانها وأبوالها فقتلوا الراعي واستاقوا الذود فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وتركهم بالحرة يعضون الحجارة تابعه أبو قلابة وحميد وثابت عن أنس
¥