وأما رواية حماد بن سلمة، فإن من رواها عنه مثبتًا لفظ الوضوء: الحجاج بن منهال، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وخالفهما عفان، قال: (فاغسلي عنك الدم ثم تطهري وصلي)، قال هشام: كان عروة يقول: "الغسل" الأول، ثم "الطهر" بعد.
وإبراهيم بن الحجاج له أوهام، وعفّان مقدّم على الحجاج إذا اختلفا. قال ابن رجب في الفتح (2/ 71): "وقد رويت لفظة الوضوء من طريق حماد بن سلمة عن هشام، خرجه الطحاوي من طريق حجاج بن منهال عن حماد. ورواه عفان عن حماد، ولفظه: (فاغسلي عنك الدم، ثم تطهري وصلي، قال هشام: كان عروة يقول: "الغسل" الأول، ثم قال بعد: "والطهر") " ا. هـ.
وأنكر بعض الأئمة زيادة الوضوء، ولما كانت أشهر الروايات التي جاءت تلك الزيادة فيها: رواية حماد بن زيد = أنكرها الأئمة عليه وحدَهُ، فإنه قد خالف نحو أربعين لم يذكروها!
ولسنا هنا بصدد الحكم على هذه الزيادة، وهل توبع حماد بن زيد عليها أم لا، وهل يُتابع الأئمة على إنكارهم إياها أم لا، بل المراد بيان تصرف الأئمة مع مثل زيادة حماد. وراجع التمهيد الذي قدّمتُ أول هذا المبحث.
إنكار الأئمة الزيادة:
1 - أسند مسلم روايات جمع فيهم حماد بن زيد، ثم قال: "وفي حديث حماد بن زيد زيادة حرف تركنا ذكره"، وفسّر البيهقي الحرف بأنه زيادة "توضئي"،
2 - وقال النسائي: "لا أعلم أحدًا ذكر في هذا الحديث: (وتوضئي) غير حماد بن زيد، وقد روى غير واحد عن هشام ولم يذكر فيه: (وتوضئي) "، وكلام النسائي واضح في أنه يُعلّ هذه الزيادة بأنه لم يذكرها الرواة الآخرون عن هشام، ولذلك قال في الكبرى: "حديث مالك عن هشام عن أبيه أصح ما يأتي في المستحاضة"،
3 - ونقل الطحاوي في الاعتراض على هذه الزيادة، قال: "فعارضهم معارض فقال: أما حديث أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - الذي رواه عن هشام عن عروة؛ فخطأ، وذلك أن الحفاظ عن هشام بن عروة رووه على غير ذلك ... "،
4 - وقال البيهقي عقب نقله كلام مسلم المتقدم: "وهذا لأن هذه الزيادة غير محفوظة"، وقال في موضع آخر: "وقد روي فيه زيادة الوضوء لكل صلاة، وليست بمحفوظة".
النظر في حال الزيادة:
هذه الزيادة زيادة في متن الحديث، وليست منافيةً لمعنى أصل الحديث من أي وجه، فالأصل فيه أمر المستحاضة أن تغسل عنها الدم وتصلي، وفي هذه الزيادة إضافة الوضوء إلى ذلك.
النتيجة:
خطَّأ غير واحد من الأئمة المتقدمين أحد الثقات الأثبات في زيادته زيادةً ليس فيها منافاة لمعنى أصل الحديث، وهذا دليلٌ أكيد على عدم اشتراط المنافاة لِرَدِّ زيادات الثقات عندهم.
ولو كانت المنافاة مشترطة؛ لما قال أعرض عن هذه الزيادة مسلم، ولَمَا أعلّها النسائي، ولَمَا قال البيهقي فيها: "غير محفوظة".
تنبيه: حتى لو رجحنا أن حماد بن زيد توبع في هذه الرواية، وأنه صحَّ عن غيره ذِكْرُها = فما حالُ تسعةِ نفرٍ أمام أربعين - بعضُ آحادهم أوثق من التسعة مجتمعين! -؟!!
يتبع - بإذن الله -.
ـ[شتا العربي]ــــــــ[20 - 04 - 07, 08:05 م]ـ
ملحوظة: استفدت بعض الأمثلة من:
- الشاذ والمنكر وزيادة الثقة، لعبد القادر المحمدي،
- العلة وأجناسها عند المحدثين، لمصطفى باحو،
- قواعد العلل وقرائن الترجيح، لعادل الزرقي.
ويحسن للناظر في هذا الموضوع الرجوع إلى هذه الكتب والإفادة منها.
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
وهل هذه الكتب متوفرة على الشبكة مصورة بي دي إف؟
وهل يمكنكم توفيرها مشكورا لكم مقدما؟
شكرا لك ... بارك الله فيك ...
ـ[أبوصالح]ــــــــ[27 - 04 - 07, 04:14 ص]ـ
وذكر الترمذي في روايته أن أبا معاوية ذكر لفظ الوضوء، إلا أن سائر الرواة عن أبي معاوية لا يذكرونه، فإن صح أن هنادًا شيخ الترمذي ذكره عن أبي معاوية؛ فلعله أخطأ، قال ابن رجب في الفتح (2/ 71، 72): "وكذلك رويت من طريق أبي معاوية، عن هشام، خرجه الترمذي عن هناد عنه، وقال: قال أبو معاوية في حديثه: وقال: (توضئي لكل صلاة، حتى يجيء ذلك الوقت). والصواب: أن هذا من قول عروة، كذلك خرجه البخاري في كتاب الوضوء عن محمد بن سلام عن أبي معاوية عن هشام فذكر الحديث، وقال في آخره: قال: وقال أبي: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت). وكذلك رواه يعقوب الدورقي عن أبي معاوية، وفي حديثه: (فإذا أدبرت فاغسلي الدم ثم اغتسلي)، قال هشام: قال أبي: (ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت). وخرجه إسحاق بن راهويه عن أبي معاوية، وقال في حديثه: قال هشام: قال أبي: (وتوضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت) ".
بارك الله فيك وأحسن إليك أخي محمد.
ومما يؤكد التباين المنهجي في باب زيادة الثقة بين اشتراط المخالفة من عدمها ..
في زيادة أبي معاوية (توضئي لكل صلاة حتى يجئ ذلك الوقت)
قال ابن قدامة المغني (1/ 449): وهذه زيادة يجب قبولها. ا.هـ
ولا ريب أن مسالك الأئمة النقّاد أسلم وأحكم.
وأرجو لك التسديد والإعانة في المثال الرابع ..
وفقكم الله.
¥